علمونا.. فهل علمناهم؟
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]حصة العوضي[/COLOR][/ALIGN]
منذ أن ولدنا على هذه الأرض.. وهم يحملون مصابيح الحكمة والمعرفة.. ليوقدوها لنا في دروبنا.. ولتكون هي مرشدنا إلى الحياة المقبلة بكل ما فيها من قيم وأخلاق وسلوك.. وتعاملات مع الآخرين.. غرسوا في داخلنا بذور الحب والأخوة والتعاون لكل البشر.. لتثمر مع الأيام.. وتنمو في داخلنا أشجاراً تعطي دون حساب.. ودون انتظار لشكر.. علمونا الكثير.. وكانوا هم مراجعنا الأولى والأخيرة لكل مشكلة أو معضلة نمر فيها عبر مسيرة حياتنا الماضية.. بكل ما فيها من أشواك وأزهار.. ومسؤوليات وحقوق.. وكان المطلوب منا فقط أن ننقل كل ما علمونا إياه في سنوات عمرنا السابقة لكل من سيأتي بعدنا.. من فلذات الأكباد.. والأجيال التي لا تعي هذه الدروس الحكيمة على حقيقتها.. لتكون لها نبراساً يضيء لها كل جوانب حياتها.. فهل علمناهم؟.
علمونا أن الكبير يحب الصغير ويعطف عليه ويعامله برفق وعطف.. وأن الصغير عليه حينذاك أن يحترم هذا الكبير.. وكل من يكون في نفس منزلته.. دون التفريق بين والد وعم وجار ومعلم وعامل وأجير.. فماذا علمناهم؟.
علمناهم أننا يجب ألا نحني رؤوسنا لأي إنسان مهما بلغ سنه وقيمته الاجتماعية.. وأن نحاول معاملة الكبير كما نعامل الجهلاء والأميين والذين لا يعرفون شيئاً عن تطورات العصر وحضارته الجديدة المتقدمة.. وأن نلقي اللوم والمسؤولية دائماً على هؤلاء الكبار الذين يحاولون التعامل معهم كجزء من الحضارات القديمة.. حيث يخضع العبد لسيده ومولاه.. وحيث لا يمكنهم أن يتماشوا مع متطلبات ومفاهيم الأجيال الجديدة.. بكل ما تحتاجه من تحرر ومساواة بين الجنسين.. كباراً وصغاراً.. وأن نتعامل مع المعلم والكبار الذين يحاولون إرشادنا ونصحنا كأنداد لهم ومنافسين على العيش فوق هذه الأرض بكل كرامة وكبرياء وفخر.
علمونا.. أن الجار للجار.. ما إن أرى نظرة جاري.. حتى أقرأ كل ما يريد أن يشكو منه.. وأكون أول من يقف فوق رأسه يواسيه ويهون عليه.. وينصره على من يعاديه.. ويسانده ويخفف عنه ويفرّج كربته على قدر الاستطاعة..
لكن حين علمناه.. فوجئنا أنه لا يحب الاقتراب من جاره حتى ولا بإلقاء السلام.. لا يعرف عنه حتى اسمه.. وحين يضطر الجار لإيقاف سيارته بالقرب من سور بيته.. يجد رجال المرور يقومون بسحب سيارته.. لأنه تعدى على ملكية الآخرين.. وحين تتجمع سيارات البشر حول بيت الجار من كل مكان.. ويتعالى صراخهم ودويهم.. لا يعرف إن كان هذا التجمع من أجل وليمة أو مواساة.. ولا يدري إن كان ذلك الصراخ نذير فرح وسعادة.. أو حزن وفقد لعزيز.
علمونا أن والدينا هما سر سعادتنا في الدنيا والآخرة.. وأن رضاهما من رضى رب العالمين.. وأن معصيتهما هي الطريق إلى النار.. وطاعتهما توصل إلى النجاة والجنة..
لكن حين علمناهم.. رفع الأبناء أصواتهم فوق صوت الأب.. ورفعوا أيديهم ليبادلوهم محبتهم بصفعات على الوجنات من المعصية وعدم الالتزام بهم وبأوامرهم.. وحين حاولا الإصلاح مع الآخرين.. ألقوا بهما في عتمة الليل والقلب والبصيرة إلى الطرقات.. وإلى ذئاب الحياة تنهش فيما بقي لهم من قوة وطاقة وعمر.. وأذاقوهما بدلاً من الحب والطاعة مر العيش.. وجفاف القلوب والنفوس التواقة للفتك بكل مبادئهما.. من أجل بضع وريقات أو قطع ذهبية براقة تعمي القلوب.. وتصم الآذان.. وتجمد كل العواطف والمشاعر الجميلة.
علمونا الكثير والكثير.. وسعدنا حين عملنا بما علمونا.. وحين حاولنا إيصال تلك الرسائل إلى الجيل الذي لم نعرفه قبل اليوم.. تغيرت المعايير.. وانقلبت القيم.. وأصبحنا نحن من يسعى لنيل حبهم ورضاهم عنا.. وكأن الجنة التي يحتمل أن تكون تحت أقدام الأمهات.. ما عادت ترى لكثرة الانحناءات والتنازلات التي نقدمها لهم في كل لحظة وكل دقيقة.
علمونا.. ونعمنا بمعرفتنا بهم.. وعلمناهم.. فشقينا بحبنا لهم.. ولا نعلم ما الذي سيعلمونه هم للآخرين من الأجيال اللاحقة.. والمستقبل القادم؟.
التصنيف: