[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبدالرحمن فتحي [/COLOR][/ALIGN]

لقد علمتني حياة النور في رمضان أن الحياة في ظل عبودية الله خير من الحياة في ظل متع الدنيا، وأن ظلال العبودية لله فسيحة، تسع حياتنا كلها، وتسع الناس كلهم؛ تسع حياتنا كما قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}. وتسع الناس كلهم فلا تضيق بهم: \”يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه\”. إنه ما عبّر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: \”ما ظنك باثنين الله ثالثهما\”، هذا اليقين وهذا النصر هو ثمار ظلال العبودية لله وحده الذي يلتجأ إليه.كما علمتني حياة النور في رمضان أنها لا تقبل إلا النفس التواقة للعيش في رحابها الفسيحة، ولا ترضى إلا بمن أرادها خالصة من الشوائب، صافية من الكدر، فإن أرادها كذلك أرادته وقربته وقبلته، وأدخله الله رحابها، أما إن أرادها بقوته وعقله وجلده وصبره دون توكل واستعانة، فإنه يظل أسير أبوابها يظن نفسه يمرح في حدائقها وهو لا يزال يدق حلق أبوابها: {وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم}. إن حياة النور هي منحة ربانية، واستعمال واستخدام من الملك لمن أحب وأراد؛ لذا فعلى مبتغي تلك الحياة أن يري الله من نفسه خيرا، ولا يظن أنه دخلها بغير إذنه ورضاه. علمتني حياة النور في رمضان أن البناء صعب والهدم سهل يسير؛ فأنت حينما تبني فهي لبنات تسعى إلى رصها بانتظام تتحرى في ذلك الدقة والمتابعة وتظل متيقظا لأي خلل قد يؤدي في آخر الأمر إلى إفساد بنائك وهدمه، أما حينما تهدم فما هي إلا لبنة تسحبها من وسط البناء فيخر هدّا كأن لم يكن، فوجب حينئذ التيقظ والانتباه، فالهدم إن غفلنا قد يكون بأيدينا أو بأيدي غيرنا.في مقابل ذلك يجب ألا يؤدي حذرنا وخوفنا على بنائنا إلى يأس أو قنوط من رحمة الله عز وجل؛ فكما أخبر على لسان نبيه إبراهيم أنه لا يقنط من رحمته إلا الضالون سهل لنا عز وجل البناء، وبيّن لنا أنه لا حقير في ديننا وأن كل عمل صالح فهو لبنة في البناء تعمل على رفعه وعلوه، وسنة نبينا ذاخرة بما يفيد هذا المعنى، ولا أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: \”أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل\”؛ فالكثير ما هو إلا قليل أضيف إلى قليل.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *