علامات على الطريق-الخيال السياسي

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] يحيى رباح[/COLOR][/ALIGN]

الأمم والشعوب والمجتمعات البشرية حتى الموجودة وراء القارات وفي قلب الغابات البدائية، تموت وتندثر إن هي ظلت تعيش معادلة الحد الأدنى للحد الأدنى !!!وحتى تقوم بمقاومة الموت وإبداع الحياة من جديد، فإنها تطلق حرية الخيال إلى أقصى مدى، خيال المقاومة، الخيال الأدبي والفتي، الخيال العلمي، والخيال السياسي
نحن في فلسطين في الأراضي الفلسطينية، في القدس، وفي بقية الضفة، وفي قطاع غزة، يطبق علينا الواقع الرديء بفكيه المفترسين، وهذا الواقع يطحننا، ثم يمضغنا، ثم يعيد إنتاجنا وصياغتنا بأشكال مشوهة، وهامشية، وعديمة القدرة !!! إنها معادلة الحد الأدنى، هذا هو نتاجها الوحيد الذي لا نتاج سواه، ونحن تحت سقف هذه المعادلة، معادلة الحد الأدنى، عالقون بين حدي الزمن، خائفون من الموت وعاجزون عن الحياة !!!نستظل بعرائش الانتظار ثم نكتشف حين تلهبنا شمس الحقيقة إننا لا ننتظر شيئا !!!يلاحقنا الفيتو الإسرائيلي بأننا لسنا الشريك المؤهل، بينما إسرائيل نفسها خرجت من دائرة الشراكة وأصبحت تلعب خارج الممكن السياسي، تلعب وكأننا لسنا طرفا في نفس الملعب !!!ونهرب من الفيتو الإسرائيلي فيواجهنا الفيتو الاميركي الذي يطلب منا دفع الفاتورة كاملة قبل أن نستلم ولو جزءا يسيرا من البضاعة !!!ثم الفيتو الإقليمي الذي يتراشق بلحمنا ثم الفيتو العربي الذي يهرب من التزاماته فيطلق قنابل الخلاف !!!ثم الفيتو الداخلي فيتو الانقسام.
تابعت المفردات السياسية في الأسابيع الأخيرة، منذ صعد بنيامين نتنياهو إلى عربة السلطة مع جوقة الجنون الإسرائيلي، ورأيت كيف أن الترويكا الإسرائيلية، نتنياهو وليبرمان وباراك يتوزعون الأدوار !!! ثمة خيال سياسي عند الجانب الإسرائيلي، فالجنرال باراك داخل هذه الترويكا يلعب دور الناصح الطيب، قبل أسابيع جاء على رأس جيشه إلى قطاع غزة وحوله إلى حطام وخرائب وأشلاء !!!وهو اليوم يبدو مثل الحمل الوديع إذا قورن برئيسه نتنياهو !!!ويبدو مثل قرص العسل إذا قورن بزميله أفيغدور ليبرمان، الذي يعلن رفضه لمبادرة السلام العربية التي تعرض الصلح الجماعي والاعتراف الجماعي والتطبيع الجماعي مع إسرائيل إن هي قبلت بدولة للفلسطينيين بحدود الرابع من حزيران !!!ويتهم مبادرة السلام العربية بأنها خطيرة جدا وتؤدي إلى تدمير إسرائيل !!! بينما نحن كفلسطينيين نتصارخ في وجوه بعضنا كصدى للصراخ الإقليمي لان هذه المبادرة هي وثيقة استسلام !!!
وتابعت ردود الأفعال على أول لقاء عربي يجري مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض، وهو لقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي ستمزج لقاءا عربيا في عمان مع وراء خارجية ست دول عربية، وهو اللقاء الذي لم يحضره وليد المعلم الذي كان وقتها في طهران !!!والذي صرح في أعقاب لقاء العاهل الأردني مع أوباما، بان سوريا لا ينطق باسمها احد غيرها، وان أوباما من حقه أن يدعو إلى البيت الأبيض من يشاء ولكن دون سوريا فلا سلام !!!
الدروب مغلقة إذا، والطرق مقطوعة بالتشنجات، والدوران مستمر في طاحونة الحقد والبغضاء والكراهية !!!ولا بد من إطلاق العنان للخيال السياسي إلى أقصى مدى !!! يا أيها الفلسطينيون أطلقوا لخيالكم السياسي، خيول الحلم والإرادة تتجاوز كل الحواجز، أطلقوا أعمدة النار تلتهم جبال الثلج، اكسروا حظيرة العادي والمتوقع، وغادروا حالتكم الراهنة، فليس معقولا أن يداهمنا قيظ الصيف ونحن ما نزال نتلفع بأردية الشتاء !!! وليس معقولا أن نستظل بعرائش الصيف حين يداهمنا زمهرير الشتاء !!!وليس معقولا أن نذبح رقابنا بخناجر الانقسام ثم ندعي بعد ذلك أننا فرسان الوعد المقبل !!!
ماذا يجب أن نفعل للخروج من معادلة الحد الأدنى ومغادرة حالتنا الراهنة ؟؟؟ كيف نطرد من تلافيف الذاكرة أناشيد الوهم والعجز التي نحفظها عن ظهر قلب ونرددها بملل عبثي ؟؟؟ أطلقوا العنان لخيالكم السياسي، لعلكم تعيدون اكتشاف الذات التائهة، لعلكم تعيدون إحياء الكينونة الموءودة !!! أطلقوا العنان لخيالكم السياسي وجربوا، ذوقوا عسل التجربة، وعمموا نماذج الاكتشاف، لعلكم تضيئون لحظة الحضور من قلب رتابة الانطفاء !!! هل نموذج بلعين يمكن أن يتحول إلى نموذج شامل لحياة جديدة ؟؟؟ هل نفير القدس يمكن أن يتحول إلى نفير دائم ؟؟؟ هل إشعال الحرائق في كل الحقول يمكن أن ينجيكم من موتكم المترهل فتصبح النار عليكم بردا وسلاما ؟؟؟
كل فلسطيني على حدا، كذات مفردة، وكل فلسطيني مع الفلسطيني الآخر سواء كان حزبا، أو فصيلاً، أو تجمعا، أو رابطة شباب، مطلوب منه بإلحاح خارق أن يفكر خارج ما هو عادي وفوق ما هو مألوف، أن يقدح زناد فكره، أن يطلق لخياله العنان، الخيال السياسي، علنا نعرف كيف نغادر معا مقابر الانتظار ونذهب معا إلى حدائق الحضور.
الحياة الجديدة الفلسطينية