انتقل شاب لإحدى المدن من أجل العمل ، كان لا يعرف من طرقات تلك المدينة غير طريق الدكان الذي يعمل فيه والمسجد ، وذات يوم وبينما كان عائداً من المسجد استوقفه أحدهم وقال : أيها الشاب ، إياك أن تسلك ذلك الممر ؟ فالتفت الشاب إلي حيث أشار ؛ وإذ به يرى ما لم يكن في حسبانه أن يراه ولو ظل في هذه المدينة ١٠٠ عام ، فقال مندهشاً : تقصد ذلك الزقاق المظلم ؟ فقال نعم ؛ لا تسلكه أبداً فخلفه أمور سيئة لا أنصحك بها !! ( وقد كان الممر يؤدي إلي خمارة المدينة التي يرتادها السكارى ) ،

اكتفى الناصح بهذا التنويه ثم مضى تاركاً خلفه الشاب الذي استكمل طريق العودة للمنزل وعلامات الاستفهام تتراقص أمامه حول ذلك الزقاق ؟؟ ينظر إليه بالخلف تارة وينظر لطريقه تارة أخرى ، ومع مرور الأيام غدا ذلك الزقاق أكثر ما يسترعي انتباه الفتى كلما مر بجواره بعد إن عاش شهوراً لا يعلم عنه شيئاً ، فقد غيرت تلك النصيحة المباغتة شكل الطريق في نظره ، وأصبح يتفحص ذلك الزقاق الغامض في كل روحة وعودة حتى انتهى به المطاف سكيراً وسط سكارى تلك الخمارة !!

على الرغم من أن نية ذلك الناصح كانت حسنة ، إلا أن نصيحته تلك لم تراع واقع الشاب وخلفيته الفكرية حين تسللت إلي وعيه ، فكانت السبب الرئيس لانحرافه ، فقد أوقعته ضحية فضول شره يسميه علماء الاجتماع اليوم بـ ( عقدة بروميثيوس ) ، حالة ذهنية تستولي على نفس الشخص وتتملكه حيال أمر تم تحذيره منه من دون أن يكون لديه البنية المعرفية التي تمكنه من تحليل أسباب ذلك المنع .

إن هذا الخطأ الذي وقع فيه ذلك الناصح ؛ لمعظمنا للأسف يقع فيه ، خاصة هذه الأيام التي غدت فيه مواقع التواصل الاجتماعي ماطرة بشتى التنويهات والتحذيرات والإشارات لأمور ما كانت لتخطر على بال الكثير ممن يتلقفها ، فهذا مغرد يضع حساباً لملحد أو إباحي لتحذير الناس منه ، وإذ بها تجر الغافلين جراً لذلك الحساب بعد أن كانوا غير مكترثين لأي شيء مما أراد ذلك المغرد التحذير منه ، وآخر يبعث عبر الواتساب رابطاً لموقع سيء أو عنواناً لكتاب أو اسماً لشخص أو شعاراً لقناة فضائية بغية التحذير منها وإذ به كمن يروج لها ويشجع عليها ، وهكذا حتى استحالت معظم تحذيراتنا إلي مجرد إرشادات للمخاطر ، وجسوراً للعبور نحو كل قبيح دون أن نشعر ، فإذا ما جاز لي أن أضع حلاً لهذه الظاهرة فلا أرى غير تلك القاعدة الخالدة للفاروق رضي الله عنه ( أميتوا الباطل بالسكوت ) .
Abha/Tanouma61899 /P.O:198
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *