عفاريت السوق
التسوق العائلي متعة أسرية وأسلوب عصري لقضاء وقت حميمي يتشارك فيه أعضاء الأسرة الواحدة المكان واللحظة ذاتها ، هذا عند البعض ، لكن الأغلبية من الأسر خاصة الرجال لهم رأي آخر ، فالتسوق برفقة أفراد الأسرة بالنسبة لغالبيتهم يعد قطعة من الجحيم .. أحد الأصدقاء يروي وصفاً لهذا الجحيم من خلال هذه الأسطر على لسانه قائلاً :
قبل التسوق أحاول دوماً أن أبدو متمالكاً وفي أقصى حدود المثالية مع عائلتي .. لكن – مع الأسف – تنهار كل أربطة جأشي منذ اللحظة الأولى التي ألج فيها عبر باب المول ، لا أدري بنفسي إلا وقد أصبحت شخصاً آخر غير ما كنت عليه قبل دخول السوق ، حيث أبدو كبالون منفوخ بالغضب والتوتر والقلق ، لدرجة أني وصلت لقناعة بأن هذه الأسواق مسكونة !! وأن هذه العفاريت الساكنة فيها لا شغل لها غير انتظار مجيئي أنا وعائلتي كي تمارس أفظع طقوسيات عالمها الخفي أمامي !! ويستطرد الرجل ليقرب لنا مقصده من عفاريت السوق قائلاً :
ذات مرة وبينما كانت الأسرة تتحايل علي للذهاب للسوق .. أتت طفلتي الكبرى إلي وهي تقول بكل وداعة وهدوء وفي منتهى الرقة : بابا ..لا أريد سوى حقيبة جديدة للمدرسة بس .. شوف .. ترى ما يهمني لونها أو شكلها .. المهم حقيبة والسلام ، وما راح أطول .. أوعدك . وقتها اقتنعت وأنا أنظر لطفلي الصغير الذي للتو تعلم المشي على قدميه .. فقلت له من باب المزاح وش رايك أنت ؟ فابتسم الصغير وابتسمت معه بما يوحي بأني قد وافقت ، أما زوجتي فقد اعتدت على إلحاحها في كل طلب تطلبه ، وأتعجب حقاً من إخلاصها الدائم لهذه الميزة .. لديها طولة بال في الصبر على ترديد ما تريده كل عشر دقائق تقريباً من دون كلل أو ملل ، كان آخر مطالبها هدية من البخور الفاخر لقريبة لها لا أتذكر مناسبتها .. لكني أتذكر أنها طوال الأسبوع المنصرم وهي تلح علي بالذهب للسوق لشرائها آخرها ليلة البارح ، ومع أول وهلة لدخول السوق بدأت تتراءى لي تلك العفاريت التي حدثتكم عنها ، فطفلتي تقودنا من متجر لآخر .. ومن درج لآخر .. ومن ركن لآخر .. ومن دور لآخر من دون أدنى مؤشر للوصول لتلك الحقيبة .. يابنتي أنسيت وعدك ” حقيبة والسلام ” ؟ طب المحلات كلها حقائب من كافة الأشكال والألوان فأين هو السلام الذي وعدتي به ؟ صح يا بابا .. بس ولا واحده منها عليها صورة ( باربي ) !! باربي !!
المهم ..في غمرة البحث عن حقيبة باربي تلك تكشف لي ما لم يكن في الحسبان.. ذلك الطفل الصغير الوديع ذو الابتسامة الخجولة خرج من قوقعة خجله وصار يمارس جرأته بالطول والعرض.. هنا فازة انكسرت .. وهناك سلك لأبجورة قطعت .. وما بين الظرفين لحظات من تعند الأطفال وصراخهم.. تارة يريد لعبة .. وتارة لا يريد أحد أن يحمله أو يتحكم في حركاته .. يريد أن يطلق العنان لقدميه فقط وكأنه وجد في ممرات السوق فرصة لإثبات قدراته الخاصة .. وعادة لا ينتهي من صولاته وجولاته إلا بضياع في ردهات المول الضخم الذي لا نعلم به إلا حينما أسمع اسمي يصدح من خلال مكبرات السوق .
حينما تنتهون من تخيل كل ما سبق أضيفوا إلى ذلك أن ما بين كل لحظة وأختها هناك زوجة تمارس هوايتها المفضلة .. تقترب من أذني كل ربع ساعة بصوتها الذي تتفجر منه البراكين وتتصدع منه السبع الأراضين .. ( لا تنس اللي وصيتك عليه البارحة ) ؟ في هذه اللحظة تعلن عفاريت السوق عن احتلالها لكل ذرة تعقل برأسي .. ولا تسألوني عما يحدث بعدها .
ما رأيكم ؟ هل هناك حقاً ما يسميه صديقنا عفاريت السوق ؟ أم أن المسألة تتعلق في مهاراتنا وفي إدارتنا لهذه الرحلة الأسرية؟ أين تكمن مشكلة معظم الأسر السعودية أثناء التسوق ؟
[email protected]
twitter: @ad_alshihri
التصنيف: