[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]نبيل شبيب[/COLOR][/ALIGN]

من معالم التطوّرات الأوروبية سقوط أجنحة «التأييد المطلق» للحروب الأمريكية في إيطاليا وإسبانيا وبولندا وأخيرا في بريطانيا نفسها ثم النمسا – فيما عدا ما يجنّب وقوع هزيمة أطلسية مطلقة في أفغانستان- مقابل بروز أجنحة «التأييد المشروط» للسياسات الأمريكية في ألمانيا وفرنسا، إذا ما وُضعت في قوالب غربية أو قوالب أطلسية مشتركة.
والواقع أنّ واشنطن تحصد الآن ما زرعته أوروبيا في حقبة الحرب الباردة، فكان سعيها آنذاك لدعم البناء الاقتصادي الأوروبي في مواجهة الخطر الشيوعي الشرقي، مقترنا بحرصها على بقاء مفاتيح القوة الضاربة الأطلسية، كآليات النقل البعيد المدى، والمراقبة بالأقمار الصناعية في الأيدي الأمريكية، وهذا ما سمح بمحاولة التحرّك الانفرادي الأمريكي عالميا مع نهاية الحرب الباردة، حتى إذا بدا عدم جدوى هذه المحاولة، تضاعفت مطالب واشنطن تجاه الأوروبيين أن يطوّروا قدرتهم العسكرية، وأن يستخدموها في الساحات العسكرية التي أشعلتها الحروب الأمريكية.. دون جدوى.
بدلا من ذلك حققت الطاقة الاقتصادية والمالية الأوروبية قفزة نوعية في مواجهة العملاق الاقتصادي والمالي الأمريكي المنهك في تكاليف الحروب الجديدة، كالقفزة النوعية التي حققتها المجموعة الأوروبية نفسها في «السبعينيات» من القرن العشرين الميلادي بعد أن أنهكت تكاليف حرب فيتنام آنذاك كاهل العملاق الأمريكي المنتصر في الحرب العالمية الثانية.
ولم يقتصر التحرّك في جبهة «العولمة» على الاتحاد الأوروبي الذي بلغ مدى بعيدا في توسعة الجغرافي اقتصاديا وماليا، وفي عودة دورة الازدهار الاقتصادي وإن شابها توسّع دائرة الفقر وتغوّل الرأسمالية المتشدّدة، إنّما اتبعت القوى الآسيوية الطريق نفسه، فبدأ الاتحاد الروسي يستعيد قوّته اقتصاديا، ويعمل لاستعادتها سياسيا وعسكريا، وبدأ العملاق الصيني المنافس للغرب في مدّ أجنحته خارج حدود تحرّكه التقليدية، لاسيما في إفريقيا التي بقيت على الدوام ساحة استغلال غربية، وظهرت الهند كقوة إقليمية لا يقيّدها الارتباط التبعي بقوة أجنبية كما صنعت أنظمة الحكم في باكستان بنفسها، ولم يعد مستبعدا أن تتحوّل أرضية القوة الاقتصادية في آسيا إلى محور جبهة جديدة مشتركة على الساحة السياسية والعسكرية عالميا، قد تستميل إليها اليابان لاحقا، وهو ما يسمح بالقول: إنّ معركة العولمة التي انطلقت في الأصل من الأرض الأمريكية شهدت عام 2007م ما قد يحوّلها إلى طوق حصار للقوة الأمريكية العملاقة عالميا، وبالتالي إلى ولادة نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب، تندثر في رماله أوهام الإمبراطورية الأمريكية نهائيا، وقد يشهد عام 2008م العلامات الأولى لمخاض هذه الولادة في فترة تالية.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *