عدالة التوظيف توظيف للعدالة

• عبدالرحمن آل فرحان

أمر طبيعي أن ينجح الفرد ويفشل آخر .. أن يتقدم أحدهم فيما غيره يتأخر .. أن يحظى شخص بوظيفة ما ؛ بينما يتعثر كل من كان ينافسه عليها ، فهذا هو الأصل في قصة الوجود البشري على الأرض ، وهو سر التمايز فيما بينهم منذ بدايات الخلق وحتى اليوم ، إذ لم يخلق الله تعالى عباده بذات القوة .. بذات المنطق .. بذات الفكر .. بذات المهارة ، فكل ميسر لما خلق له ، فهناك من خلق للقيادة وهناك من خلق لأمر آخر ، لذلك أتت الحاجة في زمننا اليوم لجعل التعلم حقا مشاعا للجميع .. التعلم الذي يشمل ذات الفرص في التدريب والتلقي والتحصيل ليكون التقويم في نهاية الأمر هو الفيصل بين جموع المتعلمين ، ومن يحصد الدرجة العليا هو من يتفوق .. هو من يكون في أول الطابور نحو الوظيفة أو المنصب ، والذي فشل هنا لا يجد في نفسة على من تقدم عليه أي ضغينة أو حقد لأنه قد أدرك أن ذلك وجه من وجوه التمايز العادل ، لذلك بدأت مقالي بكلمة ( أمر طبيعي ) لكل ما سبق ، أما الذي لا يعد طبيعياً البتة ، فهو أن يكون نجاح الآخر وتقدمه ليس سوى نتاج علاقاته وصداقاته ومعارفه وأقاربه ، لا نتاج كفاءة تفوق بها على غيره ، أو بسبب مهارة كانت لديه طاغية على ما لدى الآخرين من مهارات ، هنا الطامة التي لا يجاريها طامة ، والمصيبة التي لا تحاذيها مصيبة ، ليس على الفرد وحده .. بل وعلى المجتمع والوطن والإنسانية .
وأقول طامة لأن في ذلك تضييق على أسباب التحضر، وفيه كذلك إفساح المجالات شيئاً فشيئاً لمسببات تفشي التخلف ،حتى يغدو المكان برمته للمتأخرين والفاشلين وذوي المهارات الدنيا ، بينما المتقدمين والمتفوقين وأصحاب المهارات العليا خارج اللعبة تماماً ، وأيما مكان في هذا العالم نجد أن مستلزمات العدالة فيه مغيبة فهو بالتأكيد مكان بائس لا مكان للخير فيه ، فمستلزمات العدالة كما يقول النمساوي فرويد أول مستلزمات الحضارة ، ولعل أو مستلزم للعدالة دائماً وأبداً مهما تبدلت الأماكن وتغيرت الأزمان هو التوظيف وفق الكفاءة ، والترقية بناء على استيفاء أسبابها من المهارات والقدرات ، فإن كان للعدالة وجوه شتى .. فإني أجزم بأن العدالة في فرص العمل أحد أهم تلك الوجوه وأكثرها تأثيراً على بقية وجوه العدالة ، إذ لا يمكن أن نصل لمسؤول عادل ونزيه وصل لسدة المنصب بالواسطة ، ولا يمكن أن نصل لقاض عادل صادق وهو لم يصل أصلاً لهذا المنصب إلا بالواسطة ، باختصار .. العدالة في التوظيف هو في الحقيقة توظيف للعدالة بأسرها .. تأملوها .

[email protected]
twitter: @ad_alshihri

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *