عبدالعزيز : اللي «خرز» الأيدي المفتوحة للشر
** المتمعن في تاريخ بلادنا يجد الكثير من الوقفات التي يجب الوقوف عندها ليخرج بحصيلة من الحقائق التي لابد من معرفتها، وهي حقائق غاية في الأهمية، لنتوقف عند النهج الأمني الذي كانت عليه بلادنا في العهد العثماني، وكيف كان هو، وفي أي مستوى؟.
يقول الدكتور وائل بن علي الخالدي في بحثه المطول عن الإدارة العثمانية، وأنظمتها في الحجاز في عهد السلطان عبدالحميد الثاني الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز في عرضه لحالة الأمن في الحجاز في العهد العثماني يقول:
في سنة 1316هـ أدى اغلاق الطريق بين ينبع والمدينة المنورة مدة ثمانية أشهر الى عدم تمكن الحكومة العثمانية من تزويدها بالمواد الغذائية اللازمة «أي المدينة المنورة» وقد بلغ تهديد قوافل الحج درجة كادت تؤدي الى إلغاء زيارة الحجاج للمدينة المنورة، وأضاف بانه بعد انتهاء موسم حج عام 1321هـ رفضت بعض القبائل مرور القافلة الى المدينة المنورة الى أن يقول – الخالدي – ان الطريق المؤدية الى المدينة سواء من مكة المكرمة أو ينبع هي الطرق الأخطر، والأقل أماناً في ولاية الحجاز، ولم يطرأ على الطريق أي تحسن أمني خلال عهد السلطان عبدالحميد الثاني على رغم المحاولات العديدة لاستتبابه، وقد انعكس ذلك على عدم قدرة المحمل الشامي من الذهاب الى مكة بعد مغادرته المدينة بعد يومين من خروجه، فعاد اليها مرة اخرى.
هذه هي الحالة غير الآمنة والمضطربة أمنياً حتى أنه كان يقال لمن يريد الذهاب الى مكة المكرمة من المدينة المنورة من أهاليها لا يستطيع أن يأمن على نفسه إلا إذا كان في ظل حماية إحدى القبائل، والذي لابد له أن يكون له حليف.. فهم يقولون على الذاهب مفقود، والعائد مولود هذا هو الحال الذي كان.
***
ذكرني بذلك تذكري لذلك الموقف الذي مررت به في أواخر الثمانينات الهجرية كنا مجموعة من الرفاق أو الأصدقاء نتناول عشاءنا في ذلك المقهى الواقع في قرية «بدر» على الطريق بين المدينة المنورة وجدة، بدر تلك القرية التي كان لها مع التاريخ موعد بانتصار الحق على الباطل.. لتتحول الى فاصلة للحياة الحقة.
كنا يومها نتناول ذلك «السمك» الذي كان له طعم غيره الآن عندما لمحت ذلك الرجل العجوز المنهك القوي، وهو يدور بين «الكراسي الشريط» حاملاً لوحاً عليه بعض الحلوى، وأشكال من البسكويت لبيعها، عندما عنّ لي لحظتها أن «ادردش» معه لزاوية كنا ننشرها تحت عنوان «وجه من الشعب»، وقد تجاوب معي سريعاً لكنه فاجأني عندما سألته عن الفارق بين أيام زمان والآن، وكنا في أواخر الثمانينات الهجرية كما أسلفت أقول فاجأني بأن وضع ما يحمله على الأرض، وصمت طويلاً، ولمحت بريقاً كالدمع في عينيه «المنطفئتين»، كان قد تخطى الثامنة والثمانين من عمره ففتح كفه ثم قبضه، وقال لقد خرزها عبدالعزيز.
لم أفهم ما قال.. فقال موضحاً قبل عبدالعزيز لا يمكن أن تجلسوا هكذا آمنين.. تتناولون عشاءكم في هدوء لا ينغص عليكم أحد حياتكم أو يسلبكم ما تحملون.
إنكم «ياولدي» تعيشون في نعمة كبيرة عليكم أن تحمدوا الله عليها صبح مساء.
***
مر على هذه الحادثة أكثر من أربعين عاماً، وهذه أوضاع العالم العربي حولنا كما نرى من صراعات، ودماء، ودمار، وزعزعة مخيفة.. وبلادنا تعيش أمنها الذي يشكل لدى الآخرين المبغضين لنا عدم رضا يريدون إلحاقنا ببقية «الركب» الذي يعيش حياة الفوضى والبغض والقتل والضياع..
رحم الله ذلك القائد الذي ساس بلادنا بحنكة القائد العادل الذي صب نهجه في نفوس أبنائه ليسيروا على ذلك النهج.
أدامهم الله ظلاً لبلادنا ودحر حسادنا وأصلح فينا كل دعي.
التصنيف: