عالم أوبرا وهذا الاجتماع السري

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد عيسي الشرقاوي[/COLOR][/ALIGN]

أم انتزعوها من بين أطفالها‏..‏ وتوسموا أن قوة بنيانها سيدر عليهم أموالا طائلة في سوق العبيد‏..‏ وزجوا بها فوق متن سفينة،‏ لكنها تمكنت من القفز منها‏..‏ وسبحت في نهر أوهايو بأمريكا،‏ وعادت إلي أطفالها،‏ وبينما كانت تحتضنهم،‏ اقتحم كوخها تجار العبيد البيض ورجال الشرطة‏..‏ وأدركت أن مغامرتها نحو الحرية تبددت وضاعت‏..‏ وعندئذ أمسكت سكينا،‏ وقتلت ابنتها الصغيرة المحببة إليها،‏ وكادت تقتل أطفالها الآخرين،‏ ظنا منها أن الموت هو السبيل الوحيد للافلات من حياة العبودية‏.‏
تلك هي السيدة السوداء الأمريكية مارجريت جارنر‏..‏ وقصتها حقيقية حدثت وقائعها في يناير‏1856..‏ وألهمت الروائية الأمريكية السوداء توني موريسون درتها الأدبية محبوبة،‏ التي نشرتها عام‏1987,‏ ونالت عليها جائزة نوبل للأدب عام‏1993..‏ وصارت الرواية فيلما سينمائيا اضطلعت بدور البطولة فيه أوبرا وينفري نجمة الاعلام الأمريكي السوداء‏.‏
وكانت مأساة محبوبة قد نكأت جراحا غائرة في أعماق أوبرا‏..‏ فقد كابدت إبان طفولتها وصباها من شظف العيش ونكد الدنيا‏..‏ وكانت أمها خادمة تعمل في المنازل‏..‏ وتركتها مع جدتها لرعايتها‏..‏ وكانت أوبرا ترتدي آنذاك ملابس مصنوعة من زكائب البطاطس‏..‏ وتعرضت لسخرية الأطفال،‏ لكن جدتها حرصت علي تعليمها القراءة والكتابة،‏ وفتحت أمامها العالم السحري للخيال‏..‏ولم تستطع الجدة إعالتها عندما بلغت السادسة،‏ وأعادتها إلي أمها،‏ ولكن الأم كانت تضطر لتركها ساعات طويلة بسبب خدمتها في المنازل‏..‏ وتعرضت أوبرا،‏ وهي في التاسعة من عمرها لحادث اغتصاب مروع‏..‏ وقد جرؤت واعترفت بذلك لمشاهدي برنامجها الشهير عام‏1986..‏ وكانت قد حملت وهي في الرابعة عشرة،‏ ومات طفلها بعد ولادته‏..‏ وشعرت أمها بفشلها في رعايتها،‏ فأرسلتها إلي والدها،‏ وكان يعمل حلاقا،‏ وكان صارما،‏ لكنه شجعها علي مواصلة تعليمها‏..‏ واستطاعت بفضل براعتها في فن الخطابة من الحصول علي منح دراسية مكنتها من إنهاء دراستها الجامعية‏..‏ وصارت مذيعة في إذاعة محلية‏.
وتلك كانت بداية انطلاق أوبرا في فضاء الاعلام عام‏1983..‏ فقد سطعت موهبتها الدفينة،‏ وحققت نجاحا مبينا‏..‏ وانخرطت في مشروعات إعلامية عديدة‏.‏ وأضحت في قائمة أغني الأغنياء‏..‏ واندفعت في ذات الوقت بفيض انسانيتها ووخز معاناة طفولتها لتقدم العون والمساعدة للفقراء والمرضي‏.‏ وأنشأت في جنوب افريقيا مدرسة لتعليم الفتيات مجانا‏.‏
لكن أوبرا،‏ برغم تألقها ونفوذها نأت بنفسها بعيدا عن السياسة حتي عام‏2006.‏ فقد بادرت في ذاك العام بإعلان تأييدها المبكر للمرشح الديمقراطي الأسود للرئاسة باراك أوباما‏.‏ ويري نفر من الخبراء أن تأييدها جلب لأوباما نحو مليون صوت انتخابي‏..‏ ورجح كفة فوزه بالرئاسة‏..‏ وفي ذاك الوقت أرسلت الروائية توني موريسون رسالة لأوباما قالت فيها هذا زمنك‏..‏ وحظا سعيدا لك ولنا‏.‏ وهنا يقول الراوي‏..‏ تقافزت هذه الوقائع والحقائق عن أوبرا أولي في ذهني‏.‏ عندما فاجأني نبأ اشتراكها في اجتماع سري عقده في نيويورك منذ أيام نخبة من أغني الأغنياء من بينهم بيل جيتس وزوجته ميليندا‏..‏ وكانوا يبحثون سبل تقديم العون للفقراء والمرضي في الأزمة المالية العالمية الراهنة‏..‏ وهؤلاء تبرعوا بنحو سبعين مليار دولار خلال السنوات الماضية‏..‏ وتردد أنهم كانوا يتحدثون عن رأسمالية البر والاحسان‏..‏ وبمعني آخر عندما يصبح للراسمالية وجه انساني،‏ بدلا من وحشيتها ومخالبها الغليظة‏..‏ ومسألة هذا الاجتماع السري قد تثير جدلا‏..‏ لكنه مؤشر عن الأزمة الخانقة للرأسمالية‏.‏غير أن ما تسرب عن الاجتماع أوضح أن أوبرا وينفري كانت تلوذ بالصمت،‏ والتأمل‏..‏ ولعلها كانت تفكر في أمنيتها بالاقامة ـ بعد تقاعدها ـ مع بناتها،‏ كما يحلو لها أن تصفهم،‏ في مدرستها بجنوب إفريقيا‏.
عن الأهرام

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *