عاقل… عاقل أخذ فلوسه معاه
خلق الله – سبحانه وتعالى- الإنسان وجعل له دارين…. دار في الدنيا وهي دار العمل والاكتساب… ودار في الآخرة وهي دار الجزاء والثواب.
دارنا التي نعيش فيها دار هموم وغموم كثيرة ومتشعبة، تشغل فكرنا نهارًا و تقُض مضاجعنا ليلًا ، بينما أغدق الله علينا من نعمه الكثيرة التي لاتحصى، فنسعد ونستمتع بها أكثر مما نعانيه من هموم وغموم. فليتنا نشكر الوهاب المنان، ولا ننسى أننا راحلون فنقدم للدار الآخرة !! .
قال الله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الأخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ…) سورة القصص آية ٧٧. قدمَ الله تقديم نتاج العمل للآخرة، ثم ذكرنا بأن لاننسى نصيبنا من الدنيا. تشغلنا الدنيا عن الآخرة إلا من تولاه الله ونصره على نفسه وشيطانه، فيبادر باستثمار ما آتاه الله في الدنيا….ليجدها أمامه مضاعفة في الآخرة.
عاش الشيخ أحمد أبوزهرة (الزهراء) فترة طويلة من عمره في جده، وهو رجل فقيه درس في مصر وعمل مدرسًا للعلوم الدينية في مدرسة الفلاح بجده واجتهد في حياته ، حتى تملك بيوتًا في حواري جده القديمة، ومن أشهرها بيته في حارة المظلوم ، والواقع بين مسجد المغربي وسوق البدو… بيت كبير سكنه “آل درويش”.
شيخنا أبوزهرة، وهبه الله المال وحرمه الذرية…. وقبل وفاته … كتب دارين كبيرين من بيوته وقفًا لمدارس الفلاح . الشيخ أبو زهرة أول من أوقف لمدارس الفلاح – رحمة الله عليه- وتقبل منه ماقدم لآخرته.
قَص الوالد صالح طه صابر(حفظه الله) قصة الشيخ أبوزهرة على صديق عمره المعلم أحمد إبراهيم عطيه شيخ النجارين (رحمه الله)…. أصَنَّ العم أحمد (سكت متأملًا ) وقال:
” عاقل…عاقل أخذ فلوسه معاه”. حكمة ثمينة تضيء طُرقَ الاستثمار للآخرة.
الوقف هو حبس مال أو ممتلكات مع بقاء العين للصرف من ريعها في أو جهه الخير والبر مع صيانة العين. وتعتبر صدقة جارية يبقى أجرها ويدوم- بإذن الله- بعد وفاة المُوقف.
أوقف أخيار كُثر من أهل جده… عددًا كبيرًا من عقاراتهم دعمًا لمسيرة الصرح التعليمي الكبير مدرسة الفلاح بجده* ومنهم :
١- أوقاف الشيخ الفقيه أحمد بن محمد عوض أبو زهرة (الزهراء)، أول من أوقف لمدارس الفلاح (دار بشارع الأشراف ودار بحي المظلوم مذكور أعلاه).
٢- وقف الشيخ مصطفى بن علي النيلاوي( العقار المقام على جزء منه عمارة الفلاح بباب شريف، أجزاء مشتراة من البلدية وأرض دار مشتراة من الغير).
٣- وقف الشيخ حسونه بن علي البسطي المغربي ( دار بحارة الشام).
٤-وقف الشيخ مصطفى بن علي النيلاوي (مستودع بباب شريف).
٥- وقف الحاج محمد علي زينل (دار بحارة الشام جنوب وقف غلوم).
٦- وقف الحاج محمد علي زينل ( دار بحارة المظلوم).
٧- وقف الحاج محمد علي زينل (الدار المعروفة بالمجتمع).
٨- وقف الحاج محمد علي زينل ( الأرض المعروفة ببرحة عاشور).
٩- وقف الحاج محمد بن غلوم بن محمد ( دار بحارة الشام مقامة على أرضٌ حِكْر**).
١٠- وقف الشيخ علي بن سالم العميري (دار بحارة المظلوم ).
١١- وقف الشيخ عبدالرحمن بن أحمد باصبرين (عُزَّلة* بحارة اليمن).
١٢- وقف الشيخ أحمد بن محمد صالح باعشن (عزلة بحارة اليمن).
١٣- أوقاف الشيخ شمعون بن عمر الحسني (عزلتين بحارة المظلوم).
١٤- وقف نور بنت سليمان بقصماطي (نصف عزلة بحارة اليمن ونصف العزلة الأخرى مشتراة من الغير).
١٥- وقف سليم بن يحيى عتيق حسن سلامة ( بيت بكيلو ثلاث طريق مكة المكرمة).
١٦- وقف حليمة بنت عبدالله الحبشي (عزلة بحارة المظلوم).
١٧- وقف بمبا بنت عبدالرحمن النوار ( دار بحارة اليمن ).
١٨- وقف عفاف بنت إبراهيم ( دار بالنزلة الشرقية).
١٩- وقف المعلم (معلم بناء) تيسير ساعاتي/ نشار (دار بالهنداوية).
٢٠- وقف السيد عبدالله هاشم (دار بحارة المظلوم).
٢١- وقف عبدالحميد بن حميد الشيخ (لم يُذكر نوع الوقف).
إنهم يستثمرون في تعليم دائم – إن شاء الله … يحصلون على ثوابه في الدنيا، و يضاعف لهم في الآخرة (جزاهم الله خير الجزاء).
أما المؤسس الأول لمدارس الفلاح، المرحوم الحاج محمد علي زينل علي رضا، الذي أوقف من عقاره وبذل الكثير من المال والجهد في بناء صرح التعليم النظامي الأول في الجزيرة العربية “مدرسة الفلاح بجدة” . فحصد – بفضل الله- أجر كل من تعلم فيها بل في جميع المدارس الفلاحية … ففتح باب الاستثمار للآخرة لنفسه، ولكل من أوقف من عقاراتهم ، تقبل الله من كل العقلاء، الذين أخذوا فلوسهم معاهم.
[email protected]
*المصدر كتاب “تاريخ مدارس الفلاح والحاج محمد علي زينل”، إعداد الأستاذ حسين صنيدح البقمي، الطبعة الثانية ١٤٣٨هـ-٢٠١٧م.
** أرضٌ حِكْر (أرض مستأجرة)
*عُزَّلة (مبنى وحوش صغيران منفصلان عن الدار).
التصنيف:
مقال رائع يحفز الى بلوغ رزانه العقلاء بالاستثمار الدائم عند الدائم..
فهنيئا للعقلاء و رحمنا معهم باذنه..
قال ارجح الخلق عقلا (من سن سنه حسنه كتب الله له اجرها واجر من عمل بها) و نساله بفضله ان يكتب لمن ذكر بها اجرهم جميعا.
سلمت يداك الغاليه.