تقف فى وقت غير محسوب من العمر ويوم غير متوقع فى الزمن بعينين تكاد تقطر دماً من شدة البكاء الذى يملؤه الندم والحسرة على ما صدر منها من قسوة ليست على نفسها وحسب بل على الأخرين فقد كانت الجانى والمجنى عليه بنفس الوقت ، محاولاتها البائسة فى إصلاح ما إنكسر بائت بالفشل ، أمنياتها بالرجوع بآلة الزمن للوراء بعيدة عنها كبعد السماء عن الأرض !! وقفت أمام أمواج البحر وحيدة شاردة مهشمة ووسط سكون الليل تتذكر ما فاتها وما إقترفته يداها

تعود بها الذاكرة للوراء قليلاً فتتذكر الحياة بحلوها ومرها شبابها الذى ضاع فى مهب الريح مع رجل لم يدرك إحساسها يوم ، لم يقدرها ، لم يتواصل مع أنوثتها ، كان كل شغله الشاغل هو جمع الأموال ولكنها نسيت بقسوة وقلب خائنة أن تتذكر أيضاً أنه لم يبخل عليها يوماً بأى شيئ فقد كرس حياته لخدمتها ليؤمن لها حياة كريمة فالظروف المعيشية الصعبة جعلت الرجل يخرج حتى يعمل بوظيفة إضافية فى المساء ولكن قلب أنثاه كان يشتعل يوماً بعد يوم مع غيابه المتكرر وتأخره الدائم

فى كل مجتمع نجد هناك ذئب يجلس بعيداً يراقب فى صمت بنظرات خبيثة ضحيته يريد إقتناصها حتى يسافر بها إلى عالمه الكئيب وفى أحد الأيام وقعت عيناه على فريسته بعد أن شعر منها حاجتها الماسة إلى لمسة رجل ، فتحت له الأبواب الخلفية وأصبح متربع على عرش فراشها الذى حمل أنفاس رجلين رجل يكد ويشقى حتى تستطيع شراء ملابس مثيرة ترتديها للرجل صاحب الأنفاس الخائنة !

ولكن ما لم يكن فى الحسبان حينما يشاهدها طفلها وهى فى أحضان الخيانة والعشق الذى يهوى بصاحبه لبعيد ، عشق أشبه فى جماله البحر ولكن عند تذوقه يكون فى غاية الملوحة لا يعرف للعذوبة والنقاء عنوان ومهما شربت منه لا ترتوى حتى يغرقها معه إلى النهاية ، كتبت نهاية حياتها وإستقرارها الأسرى حينما فتحت أبوابها لرجل أخر بإسم الحب والإحتياج

لم تفكر فى أطفالها أو قلب زوجها الذى أودعه بين كفيها أمانة تحميها وتصونها فى غيابه الذى طال كثيراً من أجلها ، فى الليلة الأخيرة لها قبل أن تنزل من على عرش منزلها دخل العشيق وملأت قلوبهم المحبة الكاذبة فالذئب يعرف جيداً كيف يتشكل ويخبئ ملامحه الحقيقية حتى يصل لهدفه وفى الوقت الذى يجردها فيه من حريتها وكرامتها جردها طفلها من أمومتها بنظرة لن تنساها حتى أخر أيام حياتها البائسة

طفلها الذى إمتلأت عيناه بالدموع والحيرة والأسئلة عندما شاهد أمه فى أحضان رجل أخر فهو أدرك فى تلك اللحظة أن أمه جردته من مستقبله وإنتزعت منه الأمان الذى كان سيشعر به مع أى إمرأة يقابلها فى مستقبله الذى سيلاحقه به العار طوال حياته فكيف للأم مصدر السلام والحنان والفرح أن تتحول إلى هذه الصورة وكيف سيحب أى إمرأة فيما بعد وكل النساء كان يريدهم صورة من أمِه !! بنظرة حزينة شاردة فكر كثيراً وتساءل ، لماذا يا أمى! هل يستحق أبى كل هذه القسوة منك وهل كان حضنك الدافئ بالأمس هو الأخير بالنسبة لى ؟! هل يا تُرى يوماً ما ستندمين يا أمى ؟! ولكن ما الجدوى من الندم فهل الندم سيجعل الأسرة تتخطى تلك الليلة التى غيرت كل الحياة ؟؟ أم إنه سوف يلملم جراح قلب أبى !

وقفت أمام موجات البحر المتلاحقة تفكر كثيراً فى تلك النظرة التى حُرمت منها للأبد تشعر داخلها بغضب عارم يجتاحها جراء ما فعلته تريد أن تصرخ فى كل إمرأة تفكر مثلها وتبلغها رسالتها الأخيرة …

” لا تخونى يوماً ما رجل أحبك فأنتِ يوماً ما ستقفى عارية أمام الجميع مجردة من كل شيئ ولن ينفعك الندم فالندم الذى تشعرين به ليس مقبول فهو ليس جرح سطحى ستداويه الأيام يوماً ما بل هو طعنة قوية تركت جرحاً غائراً فى قلوب كل من حولك ولن تُمحى وستنحدرى سريعاً حتى تصلى إلى نقطتى الأخيرة وهى اليأس وفقدان الرجاء فى الحياة ، سيأتى يوماً ما وتكونى على مفترق الطرق مثلى إما أن تسلكى طريق يودى بكِ فى النهاية إلى جدران أحد السجون حاملة لملف به وصمة عار فى جبين أسرتك وكل من عرفك بسبب سلوكك السيئ أو الإنعزال التام عن عالمك وبدء حياة جديدة بأشخاص لا يعرفون عنكِ أى شيئ ، فلا تنخدعى بأى كلمات يلقيها ذئبٌ كاذب على مسامعك وفكرى فى قلب الرجل الذى أحبك من البداية الرجل الذى أخلص لكِ ، لا تفكرى بأنانية مفرطة كالتى فكرت بها أنا ، فأنا لم أفكر يوماً ما أننى حينما كنت أعانى الغياب والحرمان من زوجى كان هو أيضاً يعانى من الحرمان والغياب عنى فهو حرم نفسه من إستنشاق عطرى وأنفاسى حتى يجعلنى سعيدة ، لم أفكر أنه حينما كانت تمر عليه لحظات الكد والتعب والشقاء كان بداخله إشتياق وقلب لا يتوقف عن الخفقان تجاهى ولكن وقف بينى وبينه الظروف المعيشية الصعبة لذلك كان يصمت ويكتم حبه الجارف ، لم أفكر فى زوجى حينما كان غارقاً فى عمله كنت أنا غارقة فى الحب المزيف مع عشيقى وأنا أضع له العطور الفرنسية التى إشتريتُها بأموال زوجى ، فأى جفاء أتحدث عنه وأى إهمال عانيته بسبب زوجى !! ما هذه القسوة التى تعاملت بها مع زوجى ؟! أوليس هذا الرجل وغيره من المغدور بهم يضحون بعمرهم وحياتهم من أجل أن يؤمنوا لنا الحياة الكريمة ؟ فأى حبٍ هذا قدمه هؤلاء الرجال لنا وأى قسوة نحن تعاملنا بها معهم !! “

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *