ظاهرة “اللقافة” الى أين..!
لم تكن الأحداث الخارجيَة المتسارعة، ولا حتى الأحداث الدَاخلية غير المتوقَعة مؤخرا، لم تكن ذات أهميَة كبرى عند نسبة غير بسيطة من المجتمع السعودي و التي لديها كما يبدو أولويات أخرى تشغلها عن الشأن الداخلي والخارجي. أمر متوقَع وجود أولويات كالأهل والأطفال والعمل والدراسة، بل هو ظاهرة صحيَة، وعدا ذلك قد تكون أولوية البعض هي الحصول على بعض الهدوء والسَلام الدَاخلي بعيدا عن كل ما تحمله الأخبار من منغِصات، وهو أمر مستساغ ويسهل تفهُمه. لكن الغرابة، كل الغرابة، في أمر أولئك الذين اتَخذوا “اللقافة” أولوية، وأصبح همهم الشاغل مراقبة الناس، ما فعلوا وما لم يفعلوا، ما قالوا وما لم يقولوا، ما لبسوا وما لم يلبسوا، ما أكلوا وما شربوا، ما اشتروا وكم ثمنه، أين سافروا وأين قضوا عطلة نهاية الأسبوع، ما نوع الهاتف المحمول الذي يملكون وما التطبيقات التي قاموا بتحميلها عليه..! لست أبالغ حينما أقول بأن الحال يصل بهؤلاء الى التَجسس عن طريق استجواب المحيطين بعائلة أخرى أو استجواب أطفالهم الذين يتجاوزون بكل براءة حدود الجواب على السؤال المطروح الى تفاصيل التفاصيل ليجعلوا من فرحة “الملقوف” فرحتين..! سأشارككم باختصار حادثة مزعجة للغاية حصلت معي شخصيَا في احدى الإجازات التي قضيتها مع عائلتي خارج المملكة. ذات صباح كنَا نتناول طعام الإفطار أنا وزوجي وأطفالي في مطعم المنتجع، ودخلت المطعم عائلة كان واضحا من حديث أطفالهم ومظهر والدهم الملتحي ووالدتهم التي تلبس عباءة الرأس والنقاب أنها عائلة سعودية. جلسوا على طاولة مجاورة وتناولوا افطارهم خلال وقت قصير وغادروا. انتهى ابني ذو السبعة أعوام آنذاك من افطاره واستأذن في أن يتنزه في المنتجع ريثما ننتهي. فطلبت منه ألا يبتعد وأن يعود خلال خمس دقائق. عندما تأخر، ذهبنا لنبحث عنه فوجدناه يتحدَث مع رجل العائلة السعودية على مقربة من المطعم فناديناه. أخبرنا أنه تأخر لأن ذلك الرجل ناداه و راح يسأله عمَا إذا كان سعوديَا، ثم استرسل يسأله عن اسم والده واسمي واسماء عوائلنا ولم يكتف بذلك بل سأله أين يعمل كلّ منَا..!!! تذكرت ذلك الموقف اليوم عندما ضجَ أفراد المجتمع بتناول المميزات الجديدة التي أدخلت على تطبيق “الواتس آب” بعد مضي دقائق قليلة على تحديث التطبيق تلقائيا، أو بالأصح تلك المميزات التي تسمح للمستخدم بأن يتلصَص بشكل أكثر عمقا على أفراد قائمة الإتصال الخاصة به. طار “الملاقيف” فرحا بتمكينهم من التَحقُق من وصول رسالتهم للمرسلة إليه وما إن كان قرأها ومتى قرأها، وضاق الحال بالمتضرِرين الذين لطالما أزعجتهم كثرة الرسائل التافهة وكثرة المحادثات الجماعية التي يضافون لها بدون استئذان، والأكثر ازعاجا من ذلك كله ظاهرة المراقبة والتَحقيق..! فهل يا ترى كانت تلك التَحديثات خطوة موفَقة من مطوِري التَطبيق؟ وهل سيضرب المنزعجون بمشاعر المزعجين عرض الحائط، أم سيستغنون عن الواتس آب ويبحثون عن بدائل أخرى؟..
@tamadoralyami
[email protected]
التصنيف: