عندما يحدِثك أحدهم، هناك أكثر من عامل سوف يكون له أثر في ردَة فعلك إيجابية كانت أو سلبية. فهناك مدى ثقتك بمن يحدِثك، وهذه الثِقة قد تعود لمكانته الخاصَة عندك أو لكونه معروف بصدقه، وهناك كذلك مدى ثقتك بمن يحدِثك عنه، وأخيرا طبعا هناك مدى ذكاءك الذي كلَما قل كلَما تلاشى تأثير العوامل الأخرى. ولذلك لو حدَثتك والدتك عن الغريب سوف تصدِقها بطبيعة الحال، بينما لو حدَثك الغريب عن أمك سوف تعتقد بأنه يغدر بك وبها ويحاول أن يوقع بينكم. وبالمثل لو كان محدِثك من عرف عنه نقل الأخبار بمصداقيَة وبشخصه و اسمه الصَريح مقابل مجهول أو “بيضة” لا يميِزها شكل ولا لون ولا حتى جنس، تتدحرج وتدحرج معها الأحاديث وتبعثرها يمنة ويسرة، فأيهم سيفوز بثقتك؟
والآن وقد اتَضحت الصورة سآتي بمثال أكثر تعقيدا. تصدر سنويَا مصلحة الإحصاءات العامَة تقارير بإحصاءات وأرقام تشمل جوانب علمية وعملية واقتصادية وغيرها من شؤون الدَاخل، وبإستقلالية تامَة تصدر الوزارات الحكوميَة المختصَة أرقاما لذات الشؤون، ولكن أرقامهما تأتي غير متطابقة ولا حتى متقاربة، هنا بمن نثق وعلى أي أرقام نعتمد؟ أفترض أنَنا ننقسم إلى أربعة أقسام: القسم الأول يأخذ أرقام الوزارة لأنها متخصِصة في مجالها وبالتالي أدق في احصائياتها، والقسم الثَاني يأخذ بنتائج المصلحة لأنَ الإحصاء والعدّ تخصُصها وما وجدت من أجله، ولذلك يجب أن تكون هي المرجع المعتمد في الإحصاءات، أما القسم الثالث منَا فيذهب الى أبعد من ذلك بقليل ويبحث عن إحصاءات وكالات عالميَة فيما يخص شؤوننا الدَاخليَة، لأن الغرب أبرع في قياساتهم ومقاييسهم وأكثر مصداقية واحترافيَة. القسم الرابع والأخير هو السهل الممتنع، هؤلاء يحبُون الرَاحة ولا تزعجهم عدم الدقَة بقدر ما تزعجهم القراءة والبحث واتِخاذ القرار، بالنسبة لهم ”كلام النَاس” يفي بالغرض ويحقق طموحهم المتواضع في التواصل ونقل الأحاديث.
أهل القسم الرَابع الطيِبين هم أغلب من يحيط بي وبك وهم يعانون من منهجهم الذي يتوسَمون فيه الرَاحة، ولكنَه يخذلهم ولا يشعرون. أي راحة وهم يصلهم الخبر من مجهول فيفزعون، وفي حين أن التوثُق من الخبر في عصر التكنولوجيا قد لا يستغرق الكثير من الوقت والجهد في بعض الأحوال، إلا أنَهم بدون جزء من الثانية من التفكير يساهمون في “ظاهرة الفزَاعة” ويفزعون من حولهم بسذاجة وتتلبَسهم جميعا حالة ذعر قد تستمر لأيام أو أسابيع أو شهور قبل أن يصلهم خبر التَكذيب تماما كما وصلهم الخبر الأول، فينشرونه خلال نفس الجزء من الثانية الذي ينشرون فيه كل ما يصلهم وهم يحسبون أنهم في الحالتين يحسنون صنعا، ولم يطرأ على بالهم أنَهم لا يمكنهم تعويض أنفسهم وغيرهم عن الضرر النفسي الذي أحدثوه بلا داع طوال الفترة بين الرسالتين والذي قد يكوم امتد لجوانب أخرى من حياة مستقبلي الأخبار،، فلا هم سلموا أنفسهم ولا سلم من يعرفهم..

 

@tamadoralyami
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *