محمد أحمد عسيري

في الفترة الماضية – وأعني بالماضية أيام الصبا – كانت عملية التسجيل في الجامعات أمر ميسر للغاية لا يحتاج لكل هذه الضجة التي نشاهدها مع نهاية كل عام دراسي. حيث إن الطالب المتخرج ما عليه سوى حمل شهادة الثانوية العامة بما فيها من درجات مقرونة بشهادة حسن السيرة والسلوك والتوجه إلى أقرب جامعة ليُدرج اسمه ضمن طلابها الكرام.
هذا الأمر عايشته واقعا مع أخوتي وكذلك مع أبناء الجيران والأصدقاء بالرغم من أن جامعاتنا لم تكن تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة بزيادة أصبع أو اثنتين. كل شيء كان ميسرا للغاية برغم بعد المسافة التي يقطعها الطالب ومشقة العيش في مدينة غير القرية التي خرج منها، وأسلوب الحياة الذي سيألفه بعد أن كان مرتبطا بكنف والديه وإخوته.. حتى أن بعض الوجوه المهاجرة لطلب العلم تغيب تماما ولا نتذكرها إلا عند عودتها بعد عدة أعوام وقد بدت عليها آثار المدنية في الملبس وطريقة الكلام.
أما اليوم ونحن نعيش عهد الطفرة العلمية والنانو والجامعات التي أُنشأت في كافة المناطق حتى تستوعب الأعداد المتزايدة من خريجي الثانوية العامة تواكبا مع سياسة الدولة التعليمية.. أصبحت عملية القبول في الجامعات أشبه بالعملية القيصرية المعقدة. فهذا الطالب المثابر ما أن يصل للسنة الأخيرة حتى تنهال عليه الضغوط من كل مكان، فالجميع يطالبه بمعدل خرافي حتى يضمن له مقعدا جامعيا أياً كان وليس في الطب أو علم الفضاء وإلا فالبطالة ترحب به مهما كانت نسبته. وبعد عبوره إرشادات المجموع يأتي دور اختبار القدرات الذي أرهب قلوب الطلاب وأيقظ مضاجعهم، فالعبور من هذا الاختبار بمثابة الخروج من عنق الزجاجة ليصدم طالبنا المغلوب على أمره بدرجة القدرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع فيهرع لإعادة الاختبار مجددا لعله يلحق ببعض الرزق الذي ستطير به الطيور. وبعد كل هذا العناء يأتي دور التقديم على الجامعات وكلكم يعلم ما يحدث في نهاية هذه الدراما المأساوية، والمقاعد المحجوزة سلفا، والاتصالات والتوصيات، والأوراق الصفراء الملصوقة في ملف ابن هذا وذاك وينتهي المولد وينفض السامر وتذهب الرياح بأوراق الخريف المتساقطة. معاناة ما بعدها معاناة ترهق الطالب وأسرته وتبدد أحلام الكثير من طلابنا والمبرر أن المقاعد محدودة! إذن لماذا شُيدت كل هذه الصروح التعليمية؟ أليس من أجل استيعاب أبناءنا المكفول لهم حق التعليم؟ لماذا توضع أمامهم كل هذه العراقيل المحطمة ولمصلحة من؟! فليس بمقدرة كل أولياء الأمور إرسال أبنائهم خارج الحدود لإكمال تعليمهم. ألف علامة استفهام وتعجب لهذا القياس الذي لم يكتفِ بكل هذه المواد التي يدرسها الطالب والدرجات التي تخرج بها. وألف استفهام وحيرة من أمر الجامعات التي تتعذر بمحدودية المقاعد وهي تفتح أبوابها لطلاب الانتساب المدفوع الذين يتخرجون في آخر المشوار بشهادات لا يُعتد بها. وسؤال واحد فقط للمسئولين عن التعليم بماذا ستجيبون ربكم عندما يسألكم عن مصير كل هؤلاء الطلاب الذين أُغلقت أمامهم أبواب الجامعات؟ حاسبوا أنفسكم واتقوا الله. وللحديث بقية…
لمحة عابرة: لا داعي للخوف من صوت الرصاص، فالرصاصة التي تقتلك لن تسمع صوتها.

[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *