ضع نفسك في المواضع الصحيحة
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د . أسماء العويس [/COLOR][/ALIGN]
العمل إذا تكرّر حتى صار الإتيان به سهلاً سمّي عادة، وأكثر أعمال الإنسان من قبيل العادة، كالمشي والجري وطريقة اللبس والكلام، والكثير من أمثال ذلك، وكل عمل خيراً كان أو شراً يصير عادة بشيئين: ميل النفس إليه وإجابة هذا الميل بإصدار العمل مع تكرار ذلك كلّه تكراراً كافياً، أما تكرار العمل الخارجي وحده، أعني مجرد تحرك الأعضاء بالعمل، فلا يفيد في تكوين العادة، فالمريض الذي يتجرّع الدواء المرّ مراراً، وهو في كل مرة كاره له، يتمنّى اليوم الذي يشفى فيه فلا يتجرّعه، ولا يصير شرب الدواء عادة له . والتلميذ الكسول الذي يذهب إلى المدرسة بضغط والده عليه فحسب، لا يعتاد الذهاب إلى المدرسة حتى إذا زال هذا الضغط لم يذهب. ولكننا نرى المدّخن بتكرار التدخين يعتاده ويصعب عليه العدول عنه، والسبب في هذا أن المريض لم تمل نفسه إلى شرب الدواء وإنما مالت إلى كسب الصحة، فالميل النفسي إلى العمل وتكرير هذا الميل لم يتحققا فلم تتكون العادة، وكذلك التلميذ لم يمل إلى المدرسة وإنما مال إلى إرضاء والده أو نحو ذلك، فلم يعتد، أما المدّخن فقد رغب في التدخين وتكرر ميله وتكرر العمل الخارجي وهو إشعال اللفافة وتدخينها فتكونت العادة . كذلك تكرير الميل النفسي وحده ليس بكافٍ، فمن مال إلى التدخين مراراً ولكنه لم يحب هذا الميل لا يصبح التدخين له عادة، فلابد إذاً من الميل النفسي والعمل الخارجي وتكرارهما.
ولو تكونت العادة لكان لها خصائص فمنها سهولة العمل المعتاد، ومن الأمثلة على ذلك المشي وهو من التمرينات الشاقة يستغرق تعلمه شهوراً، فأولاً نتعلم كيف نقف، فوقوف الإنسان صعب لأنه يرتكز على قاعدة ليست بالعريضة وعلى نهاية واحدة، لذلك كان وقوفه أصعب من ذوات الأربع، وكان انكفاؤه أسهل من انكفائها، وبعد أن نتعلم الوقوف نتعلم الارتكاز على رجل واحدة عند اتجاه الأخرى إلى الأمام ثم تغيير الارتكاز من رجل إلى رجل عند تقدم الأولى، ومع هذ الصعوبات نجد أن العمل بتكريره واعتياده يصير في غاية السهولة، ويكفي توجيه فكرنا إلى المكان الذي نريده لتتحرك أرجلنا وتسير من غير صعوبة، ومن غير تفكير في كيف نمشي .وأعجب من هذا وأصعب “الكلام”، فإنا نقضي سنين في تعلّمه ونحتاج إلى استعمال عضلات الحلق والشفة والحنك واللسان، وقد نحتاج في النطق بالكلمة والواحدة إلى استكمال كل هذه العضلات، ويتدرج الطفل من النطق ببعض الحروف السهلة إلى الصعبة حتى تتكون العادة فيصبح قادراً على التكلم من غير إحساس بصعوبة ما .وعن تغيير العادة فكثيراً ما يصاب الإنسان بعادات ضارّة يودّ تغييرها أو التخلص منها، ومن المفيد أن نعرف كيف نصل إلى ذلك . إن معرفتنا كيف نكوّن العادة تعيننا على فهم كيفية التخلص منها، فللتخلّص يجب أن نعمل عكس ما يكوّنها، ويجب لتغيير العادات السيئة مراعاة القواعد الآتية:
القاعدة الأولى: اعزم عزماً قويّاً لا يشوبه تردّد، وضع نفسك في المواضع التي لا تلتئم مع العادة القديمة التي تريد التخلص منها، وارتبط ارتباطات كثيرة منافية لها، وكلّما مضى يوم واحد من غير رجوع إلى العادة القديمة ثبتت العادة الجديدة وتمكّنت .لا تسمح لنفسك بمخالفة العادة الجديدة مطلقاً لأي سبب من الأسباب إلا بعد أن تتمكّن جذورها من نفسك وحياتك، فإن كل مخالفة لها تبعد الإنسان بعداً كبيراً عن النجاح، لأن في تربية الخلق عاملين متضادين . . الفضيلة والرذيلة، ولا تتمكّن الفضيلة من الإنسان تماماً إلا إذا غُلِبت الرذيلة في كل معركة تحدث بينهما، وإن تغلّبت الرذيلة مرة واحدة قبل جفاف البناء وثبوته يهدم ما بنته الفضيلة في كثير من مرّات تغلّبها.
ايضا حافظ على قوة المقاومة واحفظها حيّة في نفسك، بأن تتبرّع بعمل صغير كل يوم لا لسبب إلا لمخالفة نفسك وهواك، لأن هذا يعينك على مقاومة المصائب في حينها ويكون “مثلك مثل رجل يدفع في كل سنة مبلغاً صغيراً تأميناً على بيته ومتاعه” . إن الإنسان يكاد يكون مجموعة عادات تمشي على الأرض، وإن قيمته تعتمد كثيراً على عاداته، فطريقة الشخص في لبسه ونظافته ونغماته في كلامه ومشيته وطريقته في أكله ونومه وعنايته بحاجات بدنه وعنايته بعقله من تهذيب وتربية ونحو ذلك، كلها عادات تقوّم الشخص وتحدد درجة نجاحه في الحياة.
التصنيف: