صناعة الأزمات وبيع الحلول لها
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]نصر شمالي [/COLOR][/ALIGN]
قبل سنوات قليلة كانت حكومة الولايات المتحدة تسيطر في أوروبا على 250 ساعة بثّ إذاعي وتلفزيوني من أصل 275 ساعة هو إجمالي ما كانت تبثّه المحطات الأوروبية عموماً، أمّا اليوم فلا ندري ما حلّ بنسبة السيطرة هذه، لكنّ المتوقع أنها في ازدياد لا نقصان.
من جهة ثانية، فإنّ 70% من مواقع التجارة الإلكترونية العالمية، على مواقع شبكة الإنترنت، كانت حتى الأمس القريب محجوزة ومتوضّعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وإنّ 90% منها تنطق باللغة الإنكليزية!
حتى البارحة، كان كل 300 إنسان أفريقي يمتلكون خط هاتف عادي واحد، مقابل 100% في الدول الاسكندينافية! أمّا عن أجهزة الكمبيوتر في العالم كله فإنّ 40% منها موجودة في الولايات المتحدة وحدها، وإنّ أربعة أخماس مالكي الهواتف الخليوية يقيمون في دول الشمال الثرية! بل إنّ الوضع يصبح شديد الغرابة عندما نعلم أنّ في بنغلادش، مثلاً، يوجد خط هاتفي عادي واحد لكل 275 إنساناً، حيث 90% من قرى هذا البلد \”86 ألف قرية\” لا توجد فيها أية وسيلة على الإطلاق للوصول إلى خدمة الهاتف العادي! بل إن أكثر من مليار إنسان في هذا العالم، الذي تضطهده واشنطن على مدار الساعة، لم يجر أيّ منهم مكالمة هاتفية طوال حياته!
إنّ فجوة هائلة تفصل بين سكان الشمال الثري والجنوب الفقير، فهل مسؤولية وجود هذه الفجوة تقع على عاتق أمم الجنوب وحدها؟ كلا! إنها في الدرجة الأولى مسؤولية السياسات العدوانية الشمالية المعمول بها على مدار الساعة منذ قرون. إنّها سياسة التطور المتفاوت غير المتكافئ التي تفرضها عواصم الشمال بالقوة النارية غالباً، وإنها البلدان الثرية المتخمة التي تسيطر أصلاً، وفي الوقت نفسه، على أسواق البورصة، وعلى مصادر المواد الخام، وعلى الأسواق الدولية، والنقل الجوي والبحري، والتي توفرّ لمجتمعاتها بوساطة القوة الصماء الباغية أعلى مستويات الحياة على حساب عوز وشقاء وفناء مجتمعات الجنوب التي تشكل أربعة أخماس سكان العالم!
لكنّ عواصم الشمال لا تكتفي بذلك، وتمضي في حربها المفتوحة ضدّ أمم الجنوب إلى ما هو أفظع، فهي تصنع الأزمات إن لم تكن موجودة وتصدّرها للجنوب، أو تطوّرها وتفاقمها إن كانت موجودة! وهي في الحالتين تنبري لبيع الحلول للجنوبيين، وهي الحلول التي تعني دائماً أعباءً اقتصادية هائلة تقع على عاتق الضحايا، سواء أثناء إدارة الأزمة، أي التحكّم بمساراتها لخدمة مصالحهم، أم أثناء ما يسمّى إعادة الإعمار التي تقتضي شيوع الخراب.
وهكذا تنوء أكثرية سكان العالم تحت وطأة ديون عظيمة الضخامة ترتبها المساعدات، ليبلغ حجم الديون في إحدى السنوات الماضية 50 ضعف حجم المساعدات! كيف؟ إنهم يستردون سبعة دولارات مقابل كلّ دولار واحد يقدّمونه بصورة معونة للتنمية أو معونة لإعادة الإعمار. أي أنّ إعادة الإعمار هي شيوع الخراب كما أشرنا. هل ثمّة خلاص عالمي ؟ نعم ثمّة خلاص قريب تظهر الكثير من دلائله في الأفق، حيث العالم دخل حقاً مرحلة الانتقال من عصر إلى عصر، ولسوف يعبّر هذا الخلاص عن بداياته باسترداد الشعوب لمؤسساتها وهيئاتها القيادية التي تخصّها وحدها، وتمثلها وحدها، بعد أن حرمت من هكذا مؤسسات وهيئات أزمنة طويلة.
التصنيف: