أرسل لي صديق عبر التواصل الاجتماعي مقالا يتخوف فيه احد الكتاب على مستقبل الجامعات بسبب سوق العمل . ويعترض على اعادة هيكلة الجامعات لكلياتها وأقسامها لكي تتواءم مخرجاتها مع حاجة سوق العمل. والحقيقة ان مثل هذه النظرات السطحية البعيدة عن التأمل والتمحيص لا شك سوف تنتهي بمثل هذه الصرخات والمقارنات والاستنتاجات غير الصحيحة المفعمة بالعواطف الجياشة البعيدة عن الموضوعية باسم الحفاظ على تاريخ الانسانية في العلوم والمعارف والخوف من التضحية بها لمصلحة سوق العمل.
ان هذا التصور الخاطئ انطلق من عدة منطلقات غير صحيحة فالخلط بين الكليات النظرية والعملية والتعميم المخل بالموضوع فضلا عن القياس غير السليم كان حتما ان ينتهي الى هذه الصرخات والتخوفات غير الموضوعية. فتحسس الجامعات لاحتياجات السوق واحترام آلياته دليل على حيوية الجامعة وتفاعلها واستشرافها وليس العكس كما ذهب اليه الكاتب للأسف الشديد. فقد صور تحسس الجامعات للسوق وكأنه امر مشين يجعل من الجامعات مجرد مكاتب ملحقة بشؤون الموظفين بالشركات. في حين ان ذلك جزء من دور الجامعات ومهامها في دعم وتنمية القدرات وتوجيه الإمكانيات المتاحة بها في خدمة قضايا المجتمع وتنميته. وكذلك فالبحث العلمي يجب أن ينبع من حاجة المجتمع وأن تتبنى إستراتيجية تدفع بعجلة التنمية وخلق اتصال مباشر بينها وبين المستفيد وبين المستويات الأعلى للتخطيط والبحث. وكما هو معلوم فخدمة القضايا التنموية تعتمد في تنفيذها على القوى البشرية المدربة بالجامعات والمعاهد والتعاون مع المراكز المتخصصة في الدولة ومراكز البحوث.
وقياس جامعاتنا بجامعات عالمية سبقتنا بمئات السنين لا شك سوف يؤدي الى نتائج عير دقيقة . فالجامعات العالمية تطورت مع سوق العمل واحتياجاته فلا يصح قياس احتياجات السوق الناشئ مع أسواق عالمية متطورة وجامعاتها التي واكبت تطور اسواقها ولم تتخلف عنه مثل جامعاتنا المطالبة بمزيد من التواصل مع المجتمع ووضع الحلول لمشاكله بدلا من الانفصال عنه كما يدعو اليه الكاتب. ولو قرأ الكاتب عن تعليم اللغة العربية في فرنسا وجامعاتها لما ضرب لنا مثلا بهذا المعهد التخصصي الذي يهدف لأغراض واهداف تخدم المجتمع الفرنسي وتجعله اقدر على فهم الشعوب الشرقية ومن ثم التعامل معها ومعرفة نقاط الضعف والقوة.
إن التخصصات النادرة والدراسات العليا ليست المشكلة عندنا حتى يتم قياسها بالدول المتقدمة والمتطورة . فالمشكلة عندنا هو ضعف الخريجين وعدم الموأمة بين احتياجات السوق وتخصصات المتخرجين وغير ذلك من مشاكل حقيقية تعاني منها جامعاتنا حتى أصبحت على وشك ان تكون في آخر القائمة فيا حبذا بدلا من الإثارة والصرخات للفت النظر . ان نعالج مشاكلنا بموضوعية .

 

omarweb1@

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *