صداع السيول .. وغياب القرار

Avatar

بخيت بن طالع الزهراني

** السيول الأخيرة التي اجتاحت مناطق الجنوب \”بيشة – الباحة – وعسير\” جاءت بمثابة الانذار الثاني للخطر المحدق بالمواطنين والممتلكات، بعد الانذار الأول \”الكارثي\” عندما اجتاحت السيول العارمة جدة يوم الثامن من شهر ذي الحجة عام 1430هـ أي قبل حوالي خمسة اشهر من الآن !! .. فهل هذان الانذارن كافيان للجهات المختصة لأن تقدما رؤية استراتيجية شاملة، تكون قادرة على درء مخاطر السيول، وحماية الطرق، والمناطق السكنية الحضرية؟.
** أظن أن المسؤولية في هذا الشأن معلقة في رقبة وزارة المياه بالدرجة الأولى، ثم الدفاع المدني، فوزارة الشؤون البلدية.. ولذلك فإن الطبيعي أن تجلس هذه الوزارات الثلاث على طاولة واحدة، لصياغة \”قرار\” قائم على دراسات طبوغرافية وافية، لمجاري الأودية، واتجاهاتها، ومصباتها، فليس من المعقول أبداً أن نفاجأ بين فترة وأخرى بسيول هادرة، هناك وهناك، تقتل البشر، وتقتلع الممتلكات ، وتجرف الطرق والسيارات، ثم بعد ذلك نبحث عن مبرر غير منطقي، مثل أن \” كميات السيول كانت هائلة\” كما قرأت عن أحد مسؤولي البلديات في منطقة جنوبية، وهو يتأمل الطرق المجروفة و\”العبارات\” التي ضاقت فتحاتها عن استقبال كميات السيول من أمامها.
** في تقديري الشخصي أن تقاذف المسؤولية، وكذلك \” زحلقتها\” من جهة إلى أخرى لن يحل المشكلة بحال من الأحوال.. لا اليوم ولا غداً ولابعد غد، بل إن كل الجهات الخدمية ذات العلاقة لها \”ضلع سمين\” في كل مايقع من كوارث، إما لقصر الرؤية، أو لغياب الاستراتيجية الواعية. أو للفساد الذي كان \”الحاضر الأكبر\” في كثير من كوارث السيول التي شهدتها بلادنا خلال السنة الأخيرة!!.
** ثمة من يرى أنه يتوجب تحريم البناء في الأودية، وبالتالي منع أية أحداثيات حضرية في مجاري السيول، وثمة من يرى أن الحل أكثر من ذلك وهو إزالة كل المنشآت السكنية القائمة حالياً في كل مكان يثبت للجهات المختصة أنه وادٍ، وأنه مجرى للسيول، وهناك من يعتقد أن الخروج من الورطة هو بإقامة حزام من قنوات الصرف الضخمة حول المدن ، تتفرع منه قنوات أصغر إلى البحر \” كما هو حال طبوغرافيا مدينة جدة\”.
** كل هذه المقترحات وغيرها، لن يحسم أيها الاجدى سواء كانت مجتمعة، أو واحدة منها سوى رؤية عميقة، للوزارات والجهات المسؤولة، والتي مازالت حتى الآن – بحسب متابعاتي – غائبة عن مباشرة هذا العمل المهم، الذي أظن أنه وبكل المقاييس يعد مشروعاً وطنياً استراتيجياً مهماً ، وقد حمل أهمية كبيرة في الماضي، وصار اليوم وبصريح العبارة أولوية بالغة الأهمية، كحتمية قصوى لمواجهة مخاطر السيول، التي صارت تأتي في غير مواعيدها التقليدية، وبكميات مهولة، تفاجئ صاحب القرار قبل المواطن العادي، ربما كنتيجة حتمية للتغير المناخي العالمي ، الذي ربما كانت مفاجأة لعدد من المشرعين عندنا، مما كان يتعين عليها ان يحملوا \”الرؤى الاستباقية\”.
** الطريف في المسألة أن لجاناً تم تشكيلها للتعويضات، بعد حصر الاضرار، وأن جمعيات تنطلق هنا وهناك لإغاثة المنكوبين، وقد كنا نتوقع أن الأمر سيقتصر على مداواة فاجعة جدة، وإذ بالقدر يحمل كل هؤلاء إلى مناطق أخرى، ومن يدري من سيكون الضحية في المرة الثالثة.. صحيح أن هذه كلها بارادة الله تعالى، وبقدرة وحكمته ، ولكن الصحيح كذلك نعمل بـ \”الأسباب\” وأن نتخذ كل الممكن من التدابير والاجراءات العلمية، وعندها سنكون على الأقل قد أدينا دورنا، واعذرنا إلى الله، في عمل حقيقي كما هو حال الأمم المتقدمة شرقاً وغرباً.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *