[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]حصة العوضي [/COLOR][/ALIGN]

في ليلة من الليالي .. أطلّ القمر بوجهه البهي فوق سطح بيتنا .. لم يكن للسطح حاجز يمنع سقوط الأطفال من الأعلى .. لكنني صعدت ذلك السلم الخشبي العريض .. درجة درجة .. حتى أكون قريبة من القمر .. فربّما أتمكّن من لمسه واللهو معه .. ذلك القمر كان يبتسم لي .. وكان يقف بانتظاري .. أسمعه وهو يناديني .. لأصعد معه إلى الأعلى .. وأصادق النجوم والكواكب التي تحيط به .. وحينما وصلت إلى سطح البيت .. كان القمر قد ارتفع عاليًا أكثر وأكثر .. لم يبال بنداءاتي المتكرّرة والمتتالية له .. ولم أعرف سبب انصرافه عن اللعب معي .. وبينما كنت أحاول القفز إليه .. علني أطاله .. اختفى كل شيء من حولي .. حتى القمر .. وحين فتحت عيني .. كان هناك الكثير من البشر حولي .. أمي أبي .. وإخوتي .. وبعض الجيران .. الجميع كان ينظر في عيني مبتسمًا .. وهم يُردّدون كلمات لا أفهم معناها .. لكثرة الأصوات التي تتحدث معا .. حين ذلك رأيت أمي تقبلني وهي تقول لي :
-حمدًا لله على سلامتك صغيرتي .. لقد حفظك الله لنا ..
سألت :
-ماذا حدث؟
قالوا جميعًا :
-لقد سقطت من سطح البيت .
رفعت رأسي قليلا لأبحث عن القمر .. لكنه لم يكن موجودا .. قلت لهم :
-لقد سقطت عن سطح القمر.
جارتي الصغيرة .. تحب اللعب مع القطط الضالة .. وأينما وجدتها فهي تحضر لها الطعام والشراب .. وتجلس لتغني لها وتقص عليها بعض الحكايات الجميلة .. وهي تمسد لها شعرها .. وكانت تلك القطط تحبّ تلك الجارة الصغيرة .. وأصبحت تتردّد كل يوم إلى نفس المكان الذي تلتقي فيه بها .. حيث كانت الصغيرة تنتظرها على أحرّ من الجمر .. لتُهدهدها .. وتطعمها .. وتسقيها .. وتحكي لها عن حكاياتها في المدرسة مع صديقاتها ومعلماتها .. وكانت القطط ترد عليها دائمًا بعد كل جملة :
-مياو .. مياو ..
فكأنها كانت منسجمة تمامًا مع تلك الحكايات .. ومع صاحبة تلك الحكايات ..
سألتها ذات يوم :
-لماذا لا تأخذين تلك القطط معك إلى البيت ..؟؟
لوت شفتيها استنكارًا .. وقالت لي :
-أمي لا تحبّ القطط ..
قلت لها :
-لكنك أنت تُحبّينها .. فلماذا لا تُخبرينها بأمرها ..؟؟
من جديد رفعت رأسها نحوي وهي تُداعب إحدى القطط .. وقالت :
-لا أستطيع .. سوف تحرمني من الخروج من البيت ..
لكن الصغيرة سعيدة مع القطط .. تكاد أن تطير من الفرح بمجرّد أن تلتقي بها .. قالت لي :
-هل ستخبرين أمّي ؟
هززت رأسي نافية .. وأنا أتابع مرحها البريء وقلت لها:
-بالطبع لا .. فأنا لا أحبّ أن أقتل براءة الطفولة …
بالطبع لم تفهم جارتي الصغيرة ما قلته لها .. لكنها اقتنعت بأنني لن أخبر أمّها عن لهوها الدائم مع تلك القطط ..
نحن الكبار دائما هكذا .. ندمر أفراح الصغار ومباهجهم فقط لمجرّد إرضاء ذواتنا بتحقيق سلطاتنا عليهم .. متى سنكبر حقا ونعي أنهم سيحملون كل ذلك الدمار معهم حتى الكبر .. وسيُحمّلوننا عقدة الذنب لأسباب تافهة جدًّا ..؟؟ لندعهم لطفولتهم وبراءتهم وبهجتهم .. قبل أن يفوت الأوان .. ويسبقنا الزمن .. فالطفولة لا تعود مرّة أخرى أبدًا .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *