شبح السيدة كاترينا
مكثت البشرية دهوراً مديدة وهي متيقنة من أن الأرض التي يعيشون عليها مسطحة ، حاول رجل يدعى جاليليو ذات يوم أن يقنعهم بعكس ذلك ، فوجد نفسه مخيراً ما بين التوبة عن هذا الإدعاء أو الموت ، وجاليليو للحقيقة لم يكن الوحيد الذي وجد أن هيمنة الوعي الجمعي المتوارث أشد صلابة من براهينه وتجاربه ، فالأنبياء عليهم السلام قد سبقوه في ذلك ومعظم العباقرة الذين ظهروا من بعده ، إنه مبدأ ” هذا ما وجدنا عليه آباءنا ” الذي لم يزل حتى يومنا هذا يخيم على أذهان الكثيرين من حولنا وكأنه سنة الله في ملكوته جعله أيقونة لصراع العقل مع الحماقة والعلم مع الجهل والنور مع الظلام والحقيقة مع الوهم ، والأمثلة كثيرة في سجلات البشر المعاصرة ، غير أن سنة الله كذلك لا تقف مع الأغبياء وإن طال الزمن ، لابد للبصيرة والبراهين والتجربة أن تقول كلمتها الأخيرة. يحكى أن شاباً انتقل للعيش داخل حي عتيق في إحدى المدن الإيطالية ، فكان أول ما تلقاه عن جيرانه هو التحذير المغلظ من أن يتسكع بالقرب من منزل سيدة تدعى كاترينا قيل إنها قتلت قبل نحو العشرين عاماً ، لكنها عادت إليه على هيئة روح شريرة ، لكي تفتك بسكان الحي الواحد تلو الآخر ، هكذا قالوا له.
في بادئ الأمر لم يأخذ هذا التحذير على محمل الجد ، لأنه لم يكن يؤمن بالأشباح ، لكن مع كثرة سماعه لقصص الجيران عن شبح كاترينا امتلأت نفسه بالدهشة ، فجارته العجوز التي يسكن معها مقتنعة تماماً أن كاترينا (الشبح ) وراء أمراضها ، وأنها ما كانت لتشكو من آلام مفاصلها لولا تلك الليلة المشؤومة التي وقفت فيها أمام نافذة منزلها فرأت بأم عينها شبحها يلوح لها بغضب شديد عبر النافذة ، أما جاره الذي يسكن في الجهة الأخرى من الشارع فأكد له مراراً أن ذلك الشبح وراء هجران زوجته له ، وقصص أخرى يسمعها من هنا وهناك ذات صلة بالمسألة !! فقرر أن يتفحص ذلك المنزل المريب بنفسه ! ولم يفصح عن نيته هذه لجيرانه خوفاً من أن يمنعوه من ذلك .
حينما وصل للمنزل اتجه ناحية النافذة التي يزعمون أنهم يرون شبح كاترينا من خلالها ، كان كل ما يراه هو سقف الغرفة وجزءاً من جدارها الداخلي ولا شيء غير ذلك ، فآثر أن ينتظر حتى غروب الشمس ، ابتعد قليلاً ثم عاد ، وما إن وقع بصره على النافذة حتى رأى ذلك الشيء ، ارتاب قليلاً ، لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه ، وقرر أن يتسلق نحو النافذة ، وحينما وصل توقف قليلاً ثم فجأة اعترته موجة ضحك عارمة !! فالشبح لم يكن سوى ثوب معلق على ظهر كرسي ، وعليه من جهة الرقبة كرة من غزل الصوف ، كلما وقع عليهما ضوء الكنيسة المقابلة تداخل ظلهما على الجدار فيما يشبه المرأة ، في حين كانت الريح المتدفقة من النافذة تعبث بكمي الثوب وكأنهما يدان تلوحان بشدة ، عاد لسكان الحي ليبدد مخاوفهم التي لا أساس لها ، وأخبرهم أن كل ما يرونه ليس سوى خدعة بصرية لثوب وكرة من الصوف ، فقالوا حتى أنت؟ لماذا كل من يذهب لذلك المنزل يتحول إلي مشعوذ لتلك الأشباح؟ هل قالت لك استدرجنا إلي هناك لكي تفتك بنا ؟ لقد حاول الكثيرون غيرك ولم يفلحوا..لقد طردناهم من هذا الحي كما سنطردك الآن.
@ad_alshihri
[email protected]
التصنيف: