[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبد العزيز أحمد حلا[/COLOR][/ALIGN]

يقول علماء النفس بل والواقع يقول أيضا أن الأحداث التى تمر على الإنسان فى بدايات حياته لاتمحوها تكالب الأيام عليها ولا تزيحها عن أماكنها إلا إذا غيب الموت صاحبها لذا نرى الفرد منا يذكر أحداث طفولته حدثا حدثا وكأنما مر عليه فى الأمس القريب بينما ينسى مامر عليه فى اليوم ذاته وقد اشكر المربية الفاضلة والأستاذة القديرة أم محمد عميدة منتديات المدينة المنورة على هذه الفكرة التى انطبعت فى داخلي المعمور بأحداث الزمن الأول بعدما قرأت بعد أشطارها التى طرحتها على صفحات منتديات المدينة المنورة ولضيق المساحة الزمنية عندي أردت أن يكون هذا الحوار الذاتي يعم ذاك الوسط الذى أوشك أهله على الرحيل مع أن من تعداهم بأيام قد لاقوا وجه ربهم الكريم ولا ضير إن اتهمني القارئ أو السامع بذاك الحنين الممشوق القوام إلا أنى أود طرق هذا المجال لعل من وافق أم محمد فى هذا المسرى أن ينضم إلى الراحلة فى مشوارها حتى وان اقترب العهد إلى الزمن الحديث . والجدل فى هذه البدايات ليس الفقر مبعثه كما هو سائد فى هذه الأيام بل كانت طرائفه يسعد بها قائلها ويتمتع من يتنقل فى أدوارها إذا أجاد المتحدث لغاتها صدقا وعملا ومعشر المدينة فى ذاك المحيط لايتعدى الشوارع والأزقة التى تعد على الأصابع وربما هذا التقارب جعل المجتمعات قريبة من بعضها ومن هذا الإطار الممزوج بروح الإيمان الوحدوي جعل أفراد هذه الخلية لايخرجون بعيدا إذا طرأ على احدهم واجب من الواجبات لذا فالمقارنة أصبحت معدومة فى روح الأجيال ومهما عالج المعالجون كي يعود الماء إلى مجراه الطبيعي فلن يعود لأن الهندسة الحالية لدى الأفراد اختلفت مرورا بالاسباب التى اختلقها بني الإنسان ولا غرو فى هذا فلاختلاف والنقصان والزيادة سمة من سمات البشر . نعم القلة آنذاك كانت معضلة لكن روح الفريق الواحد فى تلك المجتمعات جعلت الفقير لديهم لايشعر بالفقر وخاصة فى درجاته الدونية بل ويسير فى المركب على خير مايرام وكنا بهذا الفضل الحميد بعد الله لانرى سائلا يطلب قوتا أو حتى كسوة وكان المسجد لدينا دوره الأوحد تلاوة القرآن الكريم ونصح وإرشاد الناس بالتمسك بالأخلاق الفاضلة والمعاملة الحسنة بينهم لكن جامعنا الكبير الذى كان يضم معظمنا هو المسجد النبوي الشريف الذى احتوى على علماء أفاضل نصبوا لأنفسهم حلقات ذكر يشهدها من يريدها بعد انقضاء الصلاة فى كل فريضة لكن الأكثرية من هؤلاء العلماء كانوا يحددون الفترة فى إلقاء دروسهم من بعد صلاة المغرب إلى قبل صلاة العشاء وأتذكر أن احد جيراننا أدب ابنه بعقاب مناسب عندما سأله ماذا قال الشيخ الفلاني فى الحلقة الفلانية فى المسجد النبوي أمس وعندما علم أن ابنه لم يجب لأنه لم يحضرها كان ذاك العقاب . ومادمنا فى هذا القرب من التربية الأسرية آنذاك فلا ضير إن قلنا أن الفرد قد أدب نفسه بنفسه وذلك بعد حفظ القرآن الكريم وحضور حلقات الدروس التى كانت تلقى على الناس فى المسجد النبوي وانعكس هذا على أهل بيته أولا ثم إلى جيرانه ثم إلى المجتمع كله ومن هنا كما قيل إذا صلحت النواة صلح من حولها وكما قيل أيضا فى هذا الشأن التفاحة العاطلة قد يعطل من معها من التفاح فى خندق الصندوق .
لقد قلت سابقا إن حاضنة الزمن الأول عامرة بأحداثها الشيقة وان كنا لانستطيع سردها بالكامل لضيق الزمان والمكان لكن يحلو لنا أن نقطف مالذ وطاب من ثمارها وعسى بهذا نكون قد عايشنا قارئنا الحبيب بما كان يفتقده منها فى هذه الأيام واني أتمنى على الله العزيز الكريم أن لايعيد من تلك الأيام إلا خصالها الحميدة لأن الفقر لو عاد وحده لرأينا تحمل الناس له بهذه الصفات مفسدة بليغة ومن هنا جاء تحذير الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذى لاينطق عن الهوى عندما قال أو كما قال : اخشوشنا فاءن النعم لاتدوم :
وقد اروي لكم على عجل حادثة سريعة لضيق المساحة فى التكافل الاجتماعي آنذاك لقد كان لدينا فى المدينة درويشا يسمى أبو كامل وكان كل صباح أيام المدارس يخرج إلى الشارع وبفراسته الغير معهودة يوزع نقودا على الفقراء من التلاميذ الصغار وهو اشد الناس لهذا المال واكتسبه من أهل الخير مع انه لايعى لشيء فى الدنيا لذهاب عقله لكن المجتمع العام قد أصل فى سلوكه أمثال هذه العادات الحسنه ..
المدينة المنورة : ص.ب 2949

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *