دعونا في البدء نتطرق لمفهوم القوة الناعمة كمدخل رئيس لنستوعب بقية المقال ، فالقوة الناعمة مصطلح فكري سياسي ابتكره “جوزيف صموئيل ناي ” عميد أكاديمية جون كينيدي التابعة لجامعة هارفارد ، والمساعد السابق لوزير الدفاع للشؤون الأمنية في حكومة بيل كلينتون ، ويقصد به كما ذكر في كتابه الذي عنونه بذات المصطلح ” القوة الناعمة ” كل قوة للدولة مضادة لمفهوم ” القوة الحديدية ” أو ” القوة العسكرية ” ولها صفة الجذب دون إكراه والإقناع دون تهديد أو ابتزاز . ومن خلال هذا التعريف يمكن لنا إدراج ما لا حصر له من الأمثلة لهذه القوة ، ففي المجال الصناعي نجد مثلاً السيارة الألمانية والآيفون الأمريكي وألعاب الأطفال الصينية والعطور الفرنسية والساعات السويسرية وغيرها ، وفي المجال السياحي نجد المزارات الدينية ( مكة المكرمة – المدينة المنورة – القدس الشريفة ) والمزارات الترفيهية ( حدائق كيو في انجلترا – شلالات نياغارا بين كندا وأمريكا ) والمزارات العلمية ( ناسا-جامعة أكسفورد ) طبعاً والمزارات الاستشفائية والعلاجية ( ألمانيا – كندا – التشيك ) وغيرها ، وفي المجال الزراعي نجد القطن المصري ، والزعفران الإيراني ، والبهارات الهندية ، والورد الهولندي ، والتفاح الأمريكي وغيرها ، وفي المجال الغذائي نجد ماركات الفاست فوود الأمريكية ( الشهيرة طبعاً كمطاعم ماكدونالدز وغيرها ) ، والبيتزا الإيطالية ، والكرواسون الفرنسي ، والسوشي الياباني وغيرها ، وفي المجال الثقافي نجد السينما الأمريكية ، ودوري كرة القدم الأسباني ، والانضباط الياباني ، والاستضافات الرياضية ( كأس العالم – الأولمبيات ) ، والمهرجانات الثقافية العالمية ( كان – قرطاج – جرش ) ، كلها نماذج عشوائية وليست من باب الحصر لما يعرف بالقوة الناعمة.
وفي السعودية لدينا الكثير مما يعد أمثلة للقوة الناعمة منها ما هو هبة من الله تعالى كالأماكن المقدسة ومنها ماهو بتوفيقه سبحانه لقادة البلد مثل المهرجانات الثقافية ، لعل آخرها مهرجان سوق عكاظ التاريخي ، والذي من الجلي جداً فيه إصرار عرابه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، يحفظه الله، لجعله أيقونة متجاوزة في التأثير المدى المحلي لتكون بإذن الله قوة جذب عابرة للقارات تنقل للعالم ما يجب أن يعرفه عن عروبة ولغة وحضارة المجتمع السعودي الممتدة لأعماق التاريخ حيث تتجسد سجالات الكلمة والشعر والأدب.
السؤال .. لماذا يجب أن نهتم أصلاً بتنمية أنماط القوة الناعمة لدينا وخاصة الثقافية من مثل المهرجانات ؟ إن الذين يمتلكون ميزة الرؤية الشمولية لأبعاد وتأثيرات القوة الناعمة سواء لسوق عكاظ أو غيرها سيدرك أي فائدة ستوفره لنا في المخيال العالمي باعتبارنا أهم دولة إسلامية في العالم وخاصة في مثل هذا الوقت الذي بدأت فيه بعض الجهات الإعلامية والسياسية المعادية بكل صفاقة وعن سابق مكابرة وعجرفة في تصوير الشعوب المسلمة في الشرق الأوسط على أنهم شعوب منغلقة غير قادرة على الانتاج الفكري أو الأدبي أو حتى الاندماج مع بقية شعوب العالم ، وهذا بالطبع محض افتراء وبهتان ، لذا ومن خلال هذه المهرجانات وما تحمله من أبعاد ثقافية كالجنادرية ومعارض الكتب وشارع الفن وسوق عكاظ نختلق لهويتنا سفارات فوق العادة ، تجوب أثير العالم من خلال البث الفضائي أو مواقع التواصل السيبروني أو حتى من خلال انطباعات الزوار وضيوف الشرف وهي تحمل رسالة المملكة العربية السعودية ( حكومة وشعباً) لكل شعوب الأرض المسالمة وهي مثقلة بالأدب والتاريخ والفن وقبل ذلك صداقة وتسامح وحضارة ووعي الإنسان السعودي . هذا هو جوهر ما تسعى إليه أي قوة ناعمة لأي بلد في الدنيا.. أن تجعل من شعوب الأرض منابراً تعبر عنك ، وحشوداً تدافع عن مواقفك ، وأصدقاء يحترمون دينك ولغتك وعاداتك بما لا يدع لأولئك الناعقين في دهاليز الظلام كداعش والقاعدة ومن هم على شاكلتها من فرصة بعد اليوم لتنميط صورتنا وصورة كل مسلم معتدل في هيئة دموية موحشة لا تمت لنا بقشة من صلة.
@ad_alshihri
adalshihri@gmail.com

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *