سوق النَّدى وثقافة البسطاء
كـأنَّ أساليب التلميع والمجاملات شكلَّ وجهًا آخر لثقافتنا ، بما لا يليق بسمعة وتاريخ نُخبنا الثقافية ، قياسا لأكثر المجتمعات التي سجلت تمسُّكًا بموروثها الحضاري ، الأمر الذي جعل من بعض الرموز الأدبية الانشغال بأضواء المدن وفضاء الثقافات المُعلبة ، كضريبة للمتغيرات المعاصرة وإقصاء المألوف من قيمنا وعاداتنا الاجتماعية المتوارثة .
فمن مظاهر هذه المتغيرات الأبراج الشاهقة والمراكز التجارية ، فأصبحت تكلفة إيجار المتر المربع الواحد في الواجهات الزجاجية ، تمثل رقما حسابيًا باهظاً ، فتوارت الأتاريك والفوانيس التراثية التي كانت تضيء المكتبات القديمة ، كما هو حال الحوانيت التاريخية التي اكتظ بها شارع الثقافة بسوق الندى بجدة قديمًا ، وهي في أوجه نشاطها حتى أواخر السبعينات الميلادية من القرن الماضي .
فكانت تلك الحوانيت تمثل مظهرا حضاريا راقيا ، للنخب الثقافية في مدينة جدة التاريخية وزوارها ، يوم كانت للثقافة روادها ومرتاديها من البسطاء ، عندما كان للكِتَابْ مكانته ، مع تواضع إمكانيات الطباعة لتلك الأيام ونُدرة دور النشر والمكتبات ، إلاّ أنه كان للثقافة مردودا إيجابيا ، عكس السِّمات الشخصية لذلك الرعيل الأول من الأدباء .
فقدَّمت المكتبة السعودية جيلا واعيا من النخب الثقافية ، عُرفت بغزارة نتاجها الفكري شعرا ونثرا وفي المقالة الناقدة ، وكانت الرواية والقصة تمثل السِّمة الأدبية البارزة ، متجاوزة بجرأة دور الصوالين والمجالس الخاصة ، مُحَلقة في مدن وعواصم عربية فتحت نوافذها لثقافتنا وإبداعاتنا ، وربما قُدِّر لها الانتقال لعواصم أوروبية حاملة على عاتق سفراء الثقافة في بلادنا موروثنا الحضاري .
ولإجراء بعض المقارنات لواقع الثقافة اليوم ، نجد كافة السُّبل هيَّأتها وزارة الثقافة والإعلام لأجل ثقافة واعية أمينة ، ونقل صورة صادقة لتاريخنا الثقافي ، ومع وجود هذه الأجواء المحفِّزة ، ففي مقابل ذلك طرأت بعض الصعوبات فرضت نمطا تقليديا أعاق انتشار الثقافة ، ليكون دور المهتمين بالثقافة البحث بشفافية عن حلول قادمة تُكوِّنْ عدد من المقترحات تنسجم مع الرُّؤى المعاصرة.
تأخذ الطابع النقدي المؤثر حضاريا لدى الآخر ، وتُقدِّم تصورًا إيجابيًا لدور ثقافتنا في توهُّج الفكر والرقي المجتمعي ، تتعايش مع الحراك الثقافي الذي يحترم الخصوصية لإعادة تقييم المرحلة ، وصياغتها في قوالب محلية تستطيع المنافسة بقوة وتَحْتَكِمْ لوحدة الرُّؤى والتجديد والتميز ، ومنهجية الطرح وتنقيته مما علق به من أخطاء ، ساهمت في التقليل من مكانة ثقافتنا بين بقية الثقافات الأخرى.
التصنيف: