سمات الإسلام التي كان لها إلهام في حياتي

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أ.د. محمود نديم نحاس[/COLOR][/ALIGN]

في المقال السابق نقلت مقتبسات من رسالة المفكر المسيحي الفلسطيني د. منير فاشة إلى البابا، وكان الهدف من المقال هو إيضاح أنه لا ينبغي أن يوضع الناس في كفة واحدة، لأننا أمة العدل، ويجب أن نعطي كل ذي حق حقه.
وهنا أنقل مقتبسات أخرى من رسالته، حيث يقول: فيما يلي سأحاول أن أنقل ما أشعر بأنه من سمات الإسلام على وجه التحديد، وكان له إلهام كبير في حياتي:
المرة الأولى التي وعيت فيها المعنى الحقيقي والروح الحقيقية للجامع كانت خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987 – 1991). إذ عندما أغلقت إسرائيل جميع المؤسسات في غزة والضفة الغربية، استعاد الجامع فوراً معناه ووظيفته الأساسين: مساحة عامة ومكان للتجمع. لقد أصبحت الجوامع، بشكل تلقائي ومباشر، أماكن ترحيب التقى فيها الناس من كل الخلفيات والأطياف وأداروا شؤونهم؛ سواء احتاج الناس إلى مكان للتعليم أم الاستشفاء أم إعلام الناس بما يحصل أم العناية بالجرحى أم توزيع الطعام.
سمة أخرى تلهمني في الإسلام هي فكرة الاجتهاد، تكريس الجهد لفهم آيات في القرآن في ضوء حياة الإنسان وتجاربه والواقع الذي يعيشه. إنها تشير إلى حق كل مسلم وواجبه في التحقق من المعاني بشكل مستقل وشخصي، الأمر الذي أرى فيه مبدأ رائعاً في ممارسة التعليم.
أما الإلهام الثالث، فهو الحج، الذي هو تجمع دولي سنوي يجري منذ حوالي 1400 سنة، فالناس غير مدعوين من لجنة منظمة أو سلطة، وإنما من الله شخصياً! لا أحد يحضر مندوباً عن آخر، فكل شخص يمثل نفسه. وبارتداء ملابس متواضعة ومتماثلة، يفقد الناس جميع الإشارات التي تدل على المكان الذي قدموا منه أو على مراتبهم، ويصبحون بالتالي وببساطة، أنفسهم دون ألقاب ومراتب.
سمة أخرى تلهمني في الإسلام، وبخاصة في مواجهة نمط الحياة السائد في عالم اليوم، هي الصلاة الإسلامية، إذ تحرر المرء خمس مرات في اليوم من روتين الحياة المعاصرة، وتربطه بالله والكون وبعالمه الداخلي. توحد الصلاة الإسلامية بين الممارسة الروحية والجسمانية. كم مثل هذا الأمر ضروري للإنسان في العالم المعاصر، وبخاصة بالنسبة لأولئك الذين يجلسون طوال اليوم على المقاعد في المدارس، والمكاتب، أو أي مكان شبيه آخر.
أما السمة الخامسة التي أحببتها في الإسلام خلال نموي، فكانت الدعوة للصلاة في الصباح الباكر. وبسبب عمري، عشت سنوات عديدة استمع إلى الدعوة الصباحية من خلال أصوات بشرية. كانت دعوة جميلة ورقيقة وروحانية.
لعل أكثر سمات الإسلام التي أسيء فهمها هي الجهاد. لو بحثنا في أدبيات الإسلام المبكرة لما وجدنا مفهوم الحروب المقدسة كالحرب ضد الديانات الأخرى جزءاً من مفهوم الجهاد. إن الصليبيين هم الذين أحضروا معهم هذا المفهوم. عندما سئل النبي محمد عن أفضل شكل للجهاد أجاب بأنه قول كلمة حق في وجه سلطان جائر.
ومن السمات الأخرى (التي يتشارك فيها الناس في معظم المجتمعات التقليدية) هي حقيقة عدم قيام أيّ من العائلات المسلمة التي أعرفها بوضع أحد أفرادها في ملجأ للعجزة. فالكبير في السن يُمنح مكاناً مركزياً في البيت، حيث يصبح مركز اهتمام وحب وتقدير واحترام.
سمة أخرى تلهمني في الإسلام – التي أتمنى لو أنها كانت في الكنائس – هي كيف أن الجوامع القديمة في المدن الكبيرة مفتوحة لكل الناس كأماكن ضيافة، حيث يستطيع الناس إضافة إلى الصلاة أن يجلسوا ويقرأوا ويناقشوا، وحتى أن يناموا إذا كان الشخص متعباً والجو حاراً في الخارج، وحيث تحضر العائلات أطفالها للعب في ساحة الجامع.
سمة أخيرة أود ذكرها. عندما تحقق المسلمون بأنهم سيخسرون في غرناطة/إسبانيا، عرضوا على الأسبان أن يغادروا المدينة بطريقة تحتفظ بجمالها. لا تزال غرناطة جميلة! في المقابل، عندما غادر الإسرائيليون ياميت في العام 1981 (وهي مدينة بنوها في سيناء بعد احتلالهم لها في العام 1967)، دمروها تماماً. كذلك، عندما تأكد الأمريكيون من خسارتهم في فيتنام، سمموا أكبر قدر من الأرض هناك. هل يوحي لك هذا بشيء عن الإسلام، يا عزيزي البابا بنديكت؟ ربما يكون من الجدير ذكره أيضاً أنه من خلال 1300 سنة من الحكم الإسلامي، تم تطوير العديد من الأشياء باستثناء الأسلحة. وهذا صحيح بالنسبة لمعظم الأمم خارج أوروبا (والغرب الحديث). إن عدم رؤية ما هو جميل في الآخرين يقول شيئاً عن المشاهِد أكثر مما يقال عما يشاهد.
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *