[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]

ضيف عزيز لا يزورنا إلا مرة كل عام.. نستقبله بعد أيام وقد خفقت مع قدومه قلوبنا وتشوقت أعيننا لرؤية هلاله. شهر جعله الله خير وبركة.. في أوله وأوسطه وآخره. أختصه الله بفضائل عظيمة ومكارم جليلة، فهو كنز المتقين ومطية السالكين. هو شهر ترفع فيه درجات المؤمنين وتفتح فيه أبواب الجنان، تضاعف فيه الحسنات وتغلق فيه أبواب النيران.
اختص الله هذا الشهر بإنزال القرآن فيه، قال المولى عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ). وفرض صيامه على الأمة في السنة الثانية من الهجرة، فأصبح الصيام هو الركن الرابع من أركان الإسلام، يصوم العبد ليقدّم محبوبات ربه الخالق على محبوبات نفسه فيترك محبوباته من شراب وطعام ونكاح حتى يتقرب بذلك إلى ربه.
وللصيام فوائد كثيرة فهو يلين القلب ويوجهه للذكر والاستغفار ويقدمه على حب الطاعة وبغض المعصية وهو أداة لتهذيب الأخلاق وتربية النفس وتنقيتها من السلوكيات الرديئة. وعندما يترك الصائم ما تشتهيه نفسه من شراب وطعام وغيره ويمتنع عن ذلك في وقت مخصوص فإنَه بذلك يعوّد نفسه على الصبر ويمرّنها على ضبطها وقيادتها في أحلك الظروف. وكما تحكي السيرة النبوية العطرة فقد كان رمضان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم شهر اجتهاد وعمل وتضحية وتفاني لخدمة الإسلام وعمارة الأرض لا كما نشاهده اليوم بأنه شهر كسل وخمول وبطالة.
والصائمون في ليل رمضان يريدون الراحة بعد الصوم والصلوات وأداء الأعمال الصالحة، لكنهم يفاجئون بما تبثه بعض القنوات الفضائية العربية من مخرجات تصطدم بروحانية الشهر العظيم، بدلاً من أن تكون تلك القنوات والإعلام بشكل عام عوناً للمسلمين لأداء عباداتهم وتذكيرهم بقيم الإسلام التي تُهمل طوال السنة. ولا أرى في زمننا هذا أمراً أخطر على صيام المؤمن مما تقدمه بعض القنوات من برامج هزيلة ومسلسلات ماجنة يبث فيها العري والعهر ويستعرض فيها سفور النساء وتبرجهم.
ما أسرع مرور الأيام و ما أشبه الليلة بالبارحة، ها هي الأيام والليالي قد مرت بنا ونحن في استقبال شهر رمضان من جديد، فلنجدد النية والعزم على نيل أجره وفضله واغتنام فرصه واستغلال أيامه ولياليه وجل ساعاته ولحظاته، ولنتسابق للخيرات من أول أيامه، ولنعلم أن هذا الشهر موسم للربح ففيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حرم، فهلموا إلى التنافس في هذا الشهر (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون). والحمد لله أن بلغنا شهر رمضان بنعمة منه وفضل، ونحن في صحة وعافية وأمن وإيمان، ولنتذكر أهل وإخوة لنا كانوا معنا في رمضان مضى ولم يدركوه هذا العام، ولنتذكر إخوة لنا يمر رمضان عليهم وهم محرومون من رؤية أهلهم وذويهم أو يعيشون في جوع وخوف وحصار. والأهم أن نستمر في عبادته وطلب رضاه حتى آخر لياليه ولا نفشل في الاستمرار بعد رمضان حتى تبقي صلتنا بخالقنا ممتدة، غير محصورة بزمان ولا مكان.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *