رواية (ذاكرة سيول جدة)
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]جمعان الكرت[/COLOR][/ALIGN]
قوة تأثير الرواية ليست بكثرة عدد صفحاتها إنما بعمق القضية التي تطرحها وما دوّنه وكيل الرقيب محمد بن عوض العتيبي في صفحات قليلة لهي أكثر عمقاً وتأثيراً من روايات حازت على جوائز إقليمية أو عالمية .. رواية العتيبي تتحدث عن فترة زمنية محدودة لا تتجاوز ست ساعات فقط نصف هذه المدة لحظات ترقب وانتظار والنصف الباقي موت وهلاك .. يقول في أثناء سيره وشقيقه إلى مقر سكنه (جنوب جدة) توقفت السيارة التي كانت تقلهما خلف مئات السيارات في الطريق السريع المتجه نحو مكة المكرمة .. وفي هذه السويعات الحرجة جداً لم يتم إبلاغ قائدي المركبات بوجود خطر قادم يتمثل في السيول الجارفة والعابرة ذات الموقع ولحظات فإذا بمياه السيول تداهمهم من جميع الاتجاهات وليس هناك من مفر سوى امتطاء حافة الجسور الخرسانية التي هي لم تسلم من المياه المتدفقة لتجرف الناس والسيارات في منظر مرعب ، الخطأ المشترك هنا تتحمله الهيئة العامة للأرصاد الجوية إذ لم تقم بتنبيه الناس قبل وأثناء حدوث الأمطار, وسؤالي مادورها إذاً ؟ ، الدفاع المدني أيضاً يتحمل جانباً كبيرا من المسؤولية فضلاً عن الجهات الإعلامية التلفزيون و الإذاعة التي يفترض منهما تجنيد كافة امكاناتهما من خلال برامج التنبيه والتحذير لا التغطية الإخبارية فقط , وكذلك الاتصالات التي امتحنتنا في رسائل لا لزوم لها وإغفالها هذا الحدث الأكبر بإطلاق رسائل الجوال في ذات اللحظة .. وفي جميع الأحوال جاء الموت الأسود ليعصف بالأطفال والنساء والشباب وكبار السن ويجرف آلاف المركبات بمختلف أحجامها لتسبب الأمطار كارثة كبيرة راح ضحيتها ما يزيد عن 140 شخصاً ,كأسوأ يوم تاريخي مر على مدينة جدة .. وهذه الكارثة جاءت نتيجة سلسة من الأخطاء المتراكمة والمتشابكة, أولها :عدم وجود مجار لتصريف مياه الأمطار وكأن المسؤولين يرون – من وجهة نظرهم – أن مدينة جدة في منأى عن أخطار الأمطار والسيول .. والمؤلم أن هناك جهات معنية بهذا الشأن وتستلم مع ميزانية كل عام جديد مليارات الريالات لتذهب هباءً دون منجز يذكر يتساوى مع حجم العطاء والسخاء المبذولين وبقيت جدة تحبس دموعها في محاجرها وتحبس الآهة في صدرها.والأسوأ أن تصبح مجاري الأمطار مواقع سكنى للناس دون تخطيط مسبق من أمانة جدة أو حتى استراتيجية قريبة أو بعيدة المدى , وهذا الذي يعول على الأمانة في تحديد المواقع الآمنة البعيدة عن الأخطار إلا أن الخطأ كشف حجم الإهمال واللامبالاة والاستخفاف بالعقول والأنكأ استمرار أمانة جدة ولمدة عقدين من الزمن وبمهارة عالية جدا إحكام حبل المشنقة على عنق مدينة جدة من خلال تسمين وتضخيم بحيرة المسك بتغذيتها بما يزيد عن 5000 وايت يومياً وما تسببه من أضرار بيئية لوجود البحيرة الآسنة التي تحمل في أحشائها الأوبئة والأمراض والموت القادم.
نعود إلى رواية العتيبي التي أوجزها في وريقات تتضمن مشاهدات مأساوية شاهدها بعينية وراح ضحيتها الأبرياء من الناس ..المأساة لن تمحوها الأيام وسيضل سكان جدة يتذكرون هذا اليوم المشؤوم الذي غدر بمئات الضحايا والسبب سوء التخطيط وانعدام الضمير..اللهم أرحم موتى أمطار جدة وأدخلهم فسيح جناتك وألهم أهلهم وذويهم الصبر الجميل.
التصنيف: