رمضان كريم وعيد سعيد « ٢ »

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد بشير علي كردي[/COLOR][/ALIGN]

تكرم الجار والد رشا بإيصالي إلى مطار مدريد وأنا في طريقي للتمتع بالعشر الأواخر من رمضان في الرحاب الطاهرة وبقرب الأهل والأحفاد في المدينة المنورة، ورافقتنا رشا بحجة المساعدة في حمل حقيبة الهدايا التي شاركت في اختيارها، ولم يهدأ لسانها طيلة الوقت وحتى في لحظة الوداع عند بوابة المغادرة . عرفت أن وجهتي جدة حيث الحفيدين مريم وبشير ومن بعد المدينة المنورة حيث الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام والأهل والأقارب والصحب والخلان . ويبدو أنه سهوت أن أتصل بها وبوالدها ساعة وصولي جدة، وشغلتني بعض الأمور طيلة اليوم التالي، ومع العصر أخذت الطائرة إلى المدينة المنورة لألحق بوقت الإفطار، وبعد صلاة التراويح قمت بتلبية دعوة كريمة لحضور حفل تكريم لعلماء أفاضل، وعند عودتي وجدت على لوحة تلفوني الجوال العديد من المكالمات غير المجابة، وجميعها من رشا . انتظرت حتى صباح اليوم التالي وقمت بالاتصال برشا عبر شاشة الإنترنت للشكر وللاعتذار، محتجاً بالقول المعهود عندنا عند طلب العذر : ليس على الصائم حرج .، غير أنني وجدتها في قمة الانزعاج والقلق لمعرفتها بأنني أفضل التنقل بالسيارة ما بين جدة والمدينة المنورة وأنني غالباً ما أسوق بمفردي، وأنها تخشى حوادث الطرق التي ضربت في بلدنا رقماً قياسياً يؤهلها لدخول سجل جينس من حيث عدد الضحايا، وأنها كانت تتوقع مني الرد على مكالماتها فور عودتي من حفل التكريم ومهما كان الوقت متأخراً، ومن ثم سألت ما هو ذلك الحفل الذي تعود منه إلى البيت متأخراً وأنت في أول أمسية لك مع الأهل في المدينة المنورة ؟ فأجبتها بأنه حفل شد إليه الرحال مئات الأساتذة والعلماء من مختلف أرجاء العالم ليشهدوا حفل تقديم جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للفائزين من المشاركين في الدورة الثالثة والتي كان موضوعها السنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة . تساءلت عن عدد المتقدمين للمسابقة وجنسياتهم فأجبتها بأن تعدادهم بالمئات وهم من مختلف الجنسيات،فالجائزة عالمية وبالتالي فإن المشاركين هم من بلدان عديدة، أما الفائزون فهم أساتذة عرف عنهم التمكن في مادتهم العلمية ولقيت أبحاثهم تقدير لجنة التحكيم . تساءلت عن الفائزين والمواضيع التي قدموها، فأجبتها بأنهم : الدكتور عبد الرزاق إسماعيل هرماس من المغرب وموضوع بحثه : مصادر السيرة بين المحدثين والمؤرخين وخلص من بحثه إلى أن المحدثين اتجهوا إلى التحري قي الرواية لأن السيرة جزء من السنة النبوية تستنبط منها أحكام الدين، وأن المؤرخين تساهلوا في قبول الروايات، وأن المصادر الصحيحة للسيرة وحدها تعطينا صورة متكاملة عن حياة الرسول \” صلى الله عليه وسلم \” . وشاركه في الموضوع والجائزة الدكتور ياسر أحمد السيد نور من مصر الذي أوضحت دراسته أهمية
القرآن الكريم كمصدر للسيرة النبوية، وأثبتت عمق الصلة بين الحديث والسيرة النبوية، وأوضحت أبعاد العلاقة بين مصطلح السيرة ومصطلح المغازي، وتناولت نمط الدراسات التاريخية والدراسات الأدبية وتاريخ المدن وكتب التراجم والطبقات والأنساب محاولاً في ذلك أن يبتكر أدوات منهجية جديدة يدعم بها الغاية التاريخية بدرجة أكبر، والفائز الثالث هو الدكتور محمد حسانين حسن حسانين من مصر عن تجديد الدين : مفهومه وضوابطه وآثاره حيث قدم بحثه نموذجاً تصورياً لتجديد الدين في مجالات التفسير والحديث والفقه والعقيدة والسيرة النبوية . والفائز الثالث هو الدكتور محمد يسري إبراهيم من مصر عن بحثه : الفتوى : أهميتها وضوابطها وآثارها وفيه استعرض ما تتعرض له الفتيا من مزالق، وشاركه في موضوع البحث والجائزة الشيخ عبد الرحمن محمد الدخيل الذي أكد في بحثه على ضرورة تحديث دوائر الإفتاء وأن تكون مشرفة على تعيين المفتين ومراقبتهم وتأهيلهم، وبصياغة نظام وقانون إجرائي وجزائي للإفتاء . لم تستوعب رشا الشرح الموجز للمواضيع وطالبتني بإيجاز مختصر ومفيد فأجبتها أن رسالة الإسلام هي لعامة بني البشر، وأن معجزة القرآن الكريم أنه لكل زمان ومكان هدى ورحمة للعالمين، وأننا نعيش اليوم في عصر تقنية الاتصالات وتوسع مصادر المعرفة وحرية طرح الآراء والأفكار والنقد، وهذا يتطلب من العاملين في مجال البحث العلمي تنقية ما شاب واقع المسلمين في فهم دينهم وما كتب عنهم وما مارسه البعض منهم ومن الباحثين من غير المسلمين من شوائب ودسائس فتحت الباب للقائلين بصراع الحضارات وان الشرق شرق والغرب غرب وأنهما لا يلتقيان وأن الشرق هو العالم الإسلامي والغرب هو العالم المسيحي في وقت يدعو فيه ديننا الحنيف وعلى لسان نبينا محمد بن عبد الله \” صلى الله عليه وسلم \” إلى تعايش بني البشر على التقوى والمودة، وبالتالي كان لزاماً على علماء وفقهاء المسلمين القيام بهذه الدراسات من أجل مجتمع إسلامي يعمل وبتفهم ما أمر الله به . ردت علي رشا قائلة بأنها بدأت تدرك أهمية هذه الأبحاث، فقد سمعت والدها يتحدث مرة إلى والدتها عن معركة شرسة يشنها بعض الموتورين من الكتاب في وجه السيرة النبوية والشريعة التي تعتمدها المملكة أساس الحكم بين الناس، وشاركتني الثناء والدعاء بأن تستمر الجائزة في عطائها لشحذ همم المختصين في أمور الدين والتاريخ في ليقدم الإسلام على حقيقته صافياً نقياً واضحاً لا لبس فيه حتى يتبين الحق من الباطل والصحيح من المزيف، وافترقنا على لقاء قريب بعون الله .