رفع السقف فانهارت به الأرض
أ.د. محمود نديم نحاس
لعل المسلسل السوري \”فوق السقف\” هو الوحيد الذي واكب أحداث الشارع السوري. وقد تمتَّع بجرعة كبيرة من الجرأة. لكن يا فرحة ما تمَّت. فبعد أن بُدئ بعرضه في رمضان على القناة السورية تم إيقافه. فالرقيب الذي أجازه أراده للتنفيس، فلما عُرض على الشاشة أعطى مفعولاً عكسياً، فأوقفته الرقابة بعد عرض نصف حلقاته. لقد رفع المخرج سقف الصراحة أكثر مما ينبغي فانهارت به الأرض وسقطت تسجيلاته في الأقبية لتختفي عن الأنظار.
يعكس المسلسل واقع التململ الذي يمر به السوريون واضطرارهم للخروج في مظاهرات سلمية، ويتناول الأحداث والاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلد، دون ذكر الرواية الرسمية التي تتهم المتظاهرين بصفات أضحت مثار سخرية لدى الناس والإعلام.
خضع المسلسل للرقابة قبل عرضه وتم تغيير اسمه من \”الشعب يريد\” إلى \”فوق السقف\” وتم شطب مشاهد من حلقاته، لكن النتيجة العكسية التي أحدثها أوصلته إلى التغييب عن الشاشة.
حلقة \”مظاهرة مرخَّصة\” روت قصة مجموعة من الشباب أرادوا الخروج في مظاهرة معارِضة فتقدموا بطلب لترخيصها. ولدهشتهم فقد تم ترخيصها. وأعطى المقدم الأوامر لضباطه بأن يتعاملوا مع هذه المظاهرة بأسلوب حضاري، فإن عطشوا سيُقدم لهم الماء، وإن جاعوا فسيُقدم لهم الطعام، وإن مرض أحدهم ستستدعى له الإسعاف، كل هذا لأنه تمت دعوة جميع قنوات الأخبار الأجنبية للتصوير. لكن الشباب لم يستطيعوا جمع أكثر من خمسين شاباً لأن من شروط الترخيص أن تُسلَّم أسماء المتظاهرين للأمن. وقد قاد المقدَّم هتافات الحرية بنفسه، وعندما تحمس أحد الشباب وبدأ بقول \”الشعب يريد\” هجم عليه أحدهم ووضع يده على فمه وأسكته. ولسوء حظ الضابط، فإن القنوات الإخبارية لم تأتِ لأنها التقت في طريقها بمظاهرة حقيقية وراحت تصور ضحايا الصدام بين المتظاهرين والأمن.
حلقة \”الأخطبوط\” روت قصة امرأة يظلمها زوجها الذي من نظرياته أن المرأة لا تُعطى إلا العين الحمراء، ويجب أن تنال حظها من الضرب كل يوم قبل أن تنام. وقد سبَّب لها هذا كوابيس تراها في نومها، فترى زوجها يضربها ويعذبها، وتقوم مذعورة. وقد اضطر زوجها لأخذها للطبيب النفسي الذي سألها: هل مَن يعذبك في المنام تعرفينه؟ فترتجف وتنظر في وجه زوجها وتضطر أن تقول بأنها لا تعرفه. وبعد أن يخرجا من العيادة يمزق الزوج الوصفة ويهددها بالضرب. وبينما هما كذلك إذ مرت مظاهرة معارِضة تهتف بالحرية، فتركت زوجها وانضمت إلى المظاهرة، فأخذ يصرخ ويناديها ويحاول إعادتها إليه وبأنه سوف يشتري لها الدواء وأنه لن يضربها بعد الآن وأنه وأنه. لكنها مضت في دربها، مذكِّرة المشاهدين بالظلم الواقع عليهم كما بوعود الإصلاح التي لم ينفذ منها شيء.
حلقة \”أجنبي\” تروي مأساة فاقدي الجنسية من الأكراد السوريين. أما حلقة \”واحد صامت\” فتصور حالة الأكثرية الصامتة التي تؤيد الثورة ولكنها تؤثر الصمت رهبة من العواقب.
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز
[email protected]
التصنيف: