[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد بشير علي كردي[/COLOR][/ALIGN]

لم أجد رشا مهمومة وقلقة كما وجدتها صباح هذا اليوم الأحد ١٩ أكتوبر ٢٠٠٨ ، تقول بأن والدها في ورطة لا يعلم إلا الله كيف سينجو منها ، فقد استثمر كل ادخاره في الأسهم وزاد عليه مليون يورو قرضا من البنك بضمان منزلهم الذي يعيشون فيه ، وما بين ليلة وضحاها تبخر ادخاره الشخصي بكامله وتبخر معه جزء من مبلغ رهنية البيت، وتسألني رشا : كيف تتبخر الأموال بهذه السهولة و هذه السرعة ؟ و ما دام هناك أخذ وعطاء في سنة التبادل فمن الذي أخذ استثمار والدها؟
تضيف بأن والدها ، وهو يشرح لها أزمة أسواق المالية العالمية وصف ما يقال عن تسبب الرهن العقاري في الولايات المتحدة بهذه الكارثة بالصليب أو بالشماعة التي تعلق عليها ما تشاء ، وأن المتسبب الأول هو تسيب الرقابة على البنوك وسوق السندات ، وتركها تقامر بأموال المستثمرين ،مفتعلة الربح الورقي ، لتعطيهم على الورق أيضا أرباحا مغرية تحفزهم على زيادة اقتراضهم لزيادة حجم استثماراتهم ولتحقق في المحصلة للكبار المزيد من الأرباح بما يبرر لرؤساء مجالس إدارة البنوك والصناديق الاستثمارية حصولهم سنويا على مكافآت سخية بملايين الدولارات ، ناسين أو متناسين أن البئر الذي يغرفون منه هذه الاستثمارات له قرار ، وأنه سينضب يوما ، وأنه سيدفع بالعطشى إلى المطالبة بمقاضاة من وراء هذه اللعبة القذرة . و أنها سألته عن هوية من هم وراء هذه اللعبة القذرة فأجابها بأنهم أولئك الساسة من الحكام ومستشاريهم الذين رأوا أن أفضل طريقة لكسب سكوت مواطنيهم عن مغامرة قادتهم السياسيين والاقتصاديين في إعطاء أكسير الحياة لدولة إسرائيل التي بسببها أو باسمها يعم العالم أجمع حركة خوف وقلق من الإرهاب وممن يسمونهم بالإرهابيين ، وفي إشعال حروب العراق وأفغانستان ولبنان والسودان والصومال وتشاد وغيرها من بلدان العالم ، هو – كما يجيب – إلهاؤهم بلعبة المال والأسهم ، هذه اللعبة التي شارك الجميع بها من أمريكان وغير أمريكان ، وساعدت تقنية الاتصالات من تلفون جوال وانترنت على توسيع دائرتها لامتصاص المزيد من المال والمزيد من الوقت وبحيث لا يكون هناك حديث بين أفراد الأسرة والأصدقاء إلا حديث المضاربات
بالأسهم وتوقعات حركة مؤشرها صعودا أو هبوطا، وبهذا لم يعد من الوقت متسع للحديث عن تكاليف تلك الهبات والمساعدات لإسرائيل ولتكاليف الحروب . ومتناسين أن بئر النقد الذي يغرفون منه أموال المستثمرين له قرار ، وأنه سينضب يوما ما ليدفع بالعطشى للخروج عن الصمت مطالبين كف يد العابثين بالمال وبوضع نظام مالي جديد يحل محل النظام المالي الحالي الذي يفرض تحكم الدولار بدورة الاقتصاد العالمي . وتضيف رشا القول بأن والدها يرى أن أوروبا اليوم ، أوروبا اليورو ، وكذا البلدان العظمى ماليا واقتصاديا كاليابان والصين وماليزيا والهند ودول مجلس التعاون الخليجي الغنية بمواردها الطبيعية وبمدخراتها المالية عليها مجتمعة اليوم أن تجلس مع الولايات المتحدة الأمريكية لوضع نظام مالي جديد يتمتع برقابة قضائية بعيدة عن هوى الحكام و مغامراتهم ، وأن يتم ذلك بالسرعة الممكنة ،وتتابع رشا تساؤلاتها عن صحة ما يقال بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال القوة الاقتصادية العظمى في العالم بالرغم من أن دولاراتها قد لا تساوي أكثر من قيمة ورقها وتكاليف طبعها ؟ وتستغرب رشا كيف قبل العالم في سبعينيات القرن الماضي رفع غطاء الذهب للدولار الأمريكي؟ وقتها كانت أونصة الذهب تغطي إصدار ٣٧٫ ٥ دولار أمريكي واليوم سمعة الولايات المتحدة وتمكنها من إزاحة الاتحاد السوفيتي وهدم إمبراطوريته ومن بعد تفردها بقيادة العالم على طريقة من ليس معنا فهو عدونا !! هي الغطاء الوحيد للدورات الأمريكية ولكثير من العملات الأخرى . وتنهي رشا محادثتها الإلكترونية طالبة النصيحة وماذا على والدها أن يعمل لتجاوز هذه المحنة ؟ أجبتها بأن عليه الصبر والصبر والصبر ، وأن لا يحاول التصفية لأن البيع اليوم من مسببات مواصلة السوق للانهيار ، وأن التوقف عن البيع يحافظ على أسعار اليوم ويغري بشراء الآخرين للأسهم وبهذا نحفز أسعار الأسهم للصعود ، مضيفا بأن حالة الركود التي تشهدها الأسواق ستدفع بأسعار السلع الاستهلاكية للتراجع فالاعتدال وتضع سدا في مواجهة طفرة الغلاء، ورب ضارة نافعة ، إذ لا يتعلم المرء إلا من حر ماله ، وقد تعامل الكثيرون مع سوق الأسهم تعامل المقامرين ، والمقامرة في شرع الله رجس من عمل الشيطان علينا تجنبه . في ختام المحادثة توجهنا برجاء إلى المولى عز وجل ليلطف بالعباد، ويرفع عنهم البلاء، ويلهم القادة الكبار بأن يوجهوا الضرائب التي يحصلونها من عرق وشقاء مواطنيهم إلى ما من أجله شرعت وحصلت، لا لتمويل الحروب وزرع الفتن وزيادة أرصدة تجار الموت والدمار في البنوك والعقارات .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *