[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد بشير علي كردي[/COLOR][/ALIGN]

سألني الأصدقاء لماذا تقضي الإجازة التي منحتها لنفسك في اليابان؟، فأجبتهم لتفقد ما لدي هناك من استثمارات، وباستغراب تساءلوا: أتستثمر في اليابان ومالك الذي ليس في بلدك ليس لك ولا لولدك؟ قلت لهم أن استثماراتي هناك هي في مجالات غير متعارف عليها عند رجال المال والأعمال، فهم، أي رجال المال والأعمال، عندما يقرر أحدهم التوقف عن العمل ويحيل نفسه بنفسه على التقاعد طمعا في أن يتمتع بما أكرمه الله من ثروة وإدخار، يقصد البنك للتأكد من رصيده المالي ليخطط بموجبه تمويل بقية أيامه في هذه الدنيا براحة واطمئنان، أما نحن الذين نعمل في السلك الدبلوماسي، عندما نحال على التقاعد، نرجع للبلدان التي سعدنا بالعمل فيها للتعرف على ما أبقيناه من أصدقاء، ولي في اليابان ولله الحمد العديد من الأصدقاء، رصيد أحمد الله عليه وأشكره، بعضه من استثماراتي خلال فترة عملي الأولى في ستينيات القرن الماضي وبعضه الآخر من استثماراتي خلال فترة عملي الأخيرة، واتصالنا وتواصلنا مستمر على شكل زيارات متبادلة، ومراسلات متواصلة أثرتها شبكة الإنترنت التي قربت البعيد فوثقت عرى الصداقة والمودة بين الأصدقاء والأحباب.
وغادرت منزلي في مدريد صباح التاسع عشر من شهر أكتوبر الماضي ودخلت غرفتي في نيواوتاني هوتيل بطوكيو بعد عصر اليوم التالي، بعد قضاء أربعة وعشرين ساعة، منها ستة عشرة ساعة في الجو والبقية في المطارات والسيارات. ولم يخالجني أي شعور بأنني غبت عن هذه المدينة سنوات عديدة بعد انتهاء مهمتي فيها، بل شعور من كان في إجازة وعاد إلى مقر إقامته وعمله، فالصحب والأصدقاء من اليابانيين وممن تبقوا على رأس عملهم من زملائي الدبلوماسيين سارعوا إلى زيارتي والترحيب بي، ووجدت بانتظاري برنامج عمل مضغوط لا يسمح لي بأي راحة أو استرخاء، وهذه طبيعة التعامل مع اليابانيين عندما يرتبون برنامجا لزائر، بغض النظر عن طبيعة الزيارة، يشغلون وقته من الصباح الباكر وحتى ساعة متأخرة من الليل، ما بين إفطار عمل أو دردشة، وغداء يتبعه لقاء على فنجان الشاي مع قطعة من الحلوى، فعشاء على السابعة مساء ودردشة مطولة عن الحال والأحوال، وما يجري هنا وهناك، إلى أن يحين وقت النوم فنفترق على موعد مبكر في اليوم التالي وهكذا، والمواعيد بالدقيقة والساعة ولا بد من الالتزام بها. ومن حسن الصدف أن يتزامن وصولي طوكيو مع زيارة شبه رسمية يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، يرافقه نجله صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن تركي الفيصل، وأن أحضر في دار السفارة، بمعية سموه الكريم ونجله الأمير فيصل، عرضا لروبوت ياباني يقوم بأعمال الحراسة بكل دقة وأمانة وحسن تصرف، وهو آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا الروبوت الذي نطلق عليه مسمى الإنسان الآلي، هذا الروبوت كروي الشكل وبوسعه حراسة مخزن أو مكتب أو بنك أو أي مبنى آخر، وعلى مدى الأربع والعشرين ساعة، لا يكل ولا يمل، ولا يطلب ساعة راحة أو قيلولة، يحس بدخول أي غريب فيطلق صوت تحذير، ويجري اتصالا هاتفيا مع المسؤولين عن الأمن أو مع صاحب المتجر، ويرسل صورة من اقتحم المبنى، وإلى أن يصل الحراس يكون الغريب قد تلقى عدة ضربات من الروبوت تمنعه من الحركة. ويقول مصمم الروبوت أن بوسع هذا الجهاز أن يعمل كمشرف على الأطفال عند غياب أهلهم عنهم، فينبه لمواعيد الطعام والشراب والدواء ويرد على مكالمات الأهل وهم يستفسرون عن طفلهم الذي تركوه تحت رعايته ويطمئنهم عن سير الأمور. هذا النوع من التقنية المتقدمة هو الذي يسعى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن تركي الفيصل نقله إلى المملكة، وهو ما اعتبره اليابانيون مؤشرا لدخول المملكة عصر التقنية والعلوم، وتأتي الزيارة مع افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في تول أبوابها للدارسين وللدارسات، وهو حدث تاريخي سطره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ليضيف صفحات جديدة في تاريخ مملكتنا الفتية التي أسس بنيانها المغفور الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – وواصل أشباله البناء، فانتقلنا من عصر الفرقة والتشرذم، والجهل والأمية، إلى عصر وحدة تراب الوطن من خليجه إلى بحره الأحمر، وللحديث بقية في العدد القادم إن شاء الله.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *