رجل في نظام ونظام في رجل..

• تماضر اليامي

(1-2)
تحتاج إلى رجل في ذلك النظام ونظام في الرجل تلك الظواهر المزعجة التي تحيط بي منذ أن تطأ قدمي بلاط المطار وإلى أن تربط المضيفات أحزمة الأمان الخاصة بهن. تبدأ التجربة بخطوات متسارعة في اتِجاه كاونتر الشحن حيث يبدأ اللعب بالأعصاب. فبالرغم من وجود عشرة مكاتب للخدمة وراء الكاونتر أجد اثنين منها فقط تعمل وأمامهما صفين من المسافرين لا يرى آخره أوَله ولا أوَله آخره..! أين بقيَة الموظَفين؟ ما فائدة تخصيص كل هذه المكاتب للشحن إن لم يكن عليها موظفين؟ هل يتقاضون رواتب في حين لا يجلسون على مكاتبهم؟ هل يغطِي عليهم زملاء المهنة ليتبادلوا الأدوار لاحقاً؟ هل يعلم المشرف عليهم بما يجري؟ لحظة.. أين المشرف أصلاً لم أره طوال فترة انتظاري في الصف والتي تجاوزت النصف ساعة؟!! هذه الأفكار تنهش خلايا مخِي ريثما أصل للكاونتر.. تأخذني خطواتي العسكرية بعدها _ الخطوات العسكرية لا علاقة لها بعسكرنا_ إلى محطَة التفتيش حيث لا يتسنَى لي أن أقف في الصف _وإن كان وصفه بالصف لا يليق بماهيَته فهو أشبه بتجمُع الطلاب في الفسحة المدرسية عند شبَاك المقصف_ ويجب علي كامرأة ان أتبع اتِجاه صورة المنقَبة مع أني لست منقَبة وهي لا تمثِلني..! تقودني الصورة إلى وراء السِتار وما أدراك ما وراء السِتار.. إنَه ستار آخر.. وما خفي كان أعظم..! وراء السِتارين كومة نساء يتدافعن في غرفة محيطها تسعة أمتار بها ثلاث موظفات بالزي العسكري.. اثنتان تجلسان تتجاذبان أطراف الحديث وأمامهما دلة قهوة عربية وصحن تمر وجهازي تفتيش مهملين.. والثالثة عابسة تمرر جهازها على المتدافعات وهي تردِد بآليَة “يالله.. ورا.. يالله.. ورا” صور لغوانتناموا تمر في مخيِلتي ولم أره يوماً! أخرج من خلف السِتار الثالث والأخير وآخذ نفساً عميقاً كمن كان تحت الماء فقد حبست أنفاسي منذ الستار الأول.. بقلق أبحث عن شنطة يدي التي تغطيها حاجيات آخرين والتي كان بإمكان أي أحد أخذها والمضي بها دون مساءلة بينما أجد طريقي بين الستائر الساترة للأجهزة المهملة.. ولكن المفتِش هنا أيضاً حيث لا يوجد ستار واقف هو الآخر ليتجاذب أطراف الحديث مع زميله ولا أحد يراقب الشاشة!!! ريثما أجد ضالَتي أفكر “لماذا لا أستطيع المرور من تحت الجهاز الخارجي مع عائلتي وبقيَة المسافرين وإن استدعى الأمر يتم ارسالي لما خلف الستائر كما يحدث في الدول المتقدِمة”.. ألتقط شنطتي التي أدًت رؤيتها إلى قطع حبل أفكاري الخشن حيث سلمت من الاختطاف وأتوجَه الى البوَابة لأجلس أمامها لحين أن تفتح.. أنغمس في مقعدي وأغمض عيني لبعض الوقت لأريحهما مما أصابهما من مشاهد.. وبعد ثوان اسمع إعلان لطفل ضائع.. “آه افتحي عينيك فلا فائدة من اغلاقهما.. ستجد كل حاسة ما يزعجها هنا..” “تبَاً لأهلك الذين أضاعوك” وتستمر قراءاتي لما أراه وما أسمعه تنهش خلايا مخِي التي لا تنام..
فتحت عيني لأجد تجمهراً عند بوَابة رحلتي.. ولكنني لم أسمع إعلان فتح البوابة.. وقفت لآخذ نظرة أكثر دقَة فلم أجد أي موظف عند البوَابة وهي لم تفتح بعد..! توجَست خوفاً من أن يكون قد طرأ تغيير على رقم البوابة في آخر لحظة وبدون إنذار _ وقد حدث ذلك معي مراراً_ توجَهت لشاشة عرض الرحلات لأتأكَد ووجدتها لم تتغيَر.. يتبع

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *