رجالنا يكسرون مفاهيمهم ومعادلات ردعهم

Avatar

[COLOR=blue]طارق الثوابتة[/COLOR]

في السياسة لا أصدقاء دائمين وكذلك لا أعداء دائمين بل هناك مصالح يدافع عنها دائما وهى المرجعية الاولى لتحديد مدى العداء والصداقة فالدول تخطط سياساتها وفق مصالحها الاستراتيجية ذات الاجماع القومي داخليا وفق نظرة معمقة للتاريخ والجغرافيا وكذلك وفق الامكانيات المتاحة من قوة صلبة واخرى مرنة والقوة الصلبة هنا تعد اساسية من تلك المرنة.
طبقا لما سبق من حقائق بديهية في السياسة لم تكن علاقة اسرائيل بمحيطها الإقليمي والعالمي استثناءً فإسرائيل كدولة قائمة منذ ما يزيد عن 65 عاما نجحت في فرض وجودها على الاقليم بالقوة الصلبة وهى أي تلك القوة أتاحت لها الاستمرار لكل هذه العقود وهى الضمانة الاساسية لاستمرار وجودها مستقبلا في غياب أي قوة ناعمة وخاصة اقليميا لها تمكنها من فرض أي وجود لها في الاقليم نظرا للرفض الإقليمي لفكرة وجود دولة لليهود تنتمى لثقافة غريبة تاريخيا عن الاقليم وكذلك لكون ان دولة اسرائيل اسست على حساب شعب اخر موجود في الاقليم منذ الازل وتفافته جزء لا يتجزأ من ثقافة الاقليم.
اسرائيل ادركت مبكرا استحالة فرض وجودها في الاقليم عن طريق أي نوع من انواع القوة الناعمة والتي ترتبط بالأساس بتأثير تقافي تاريخي متصل وهو ما تفتقده في وجودها هنا رغم كل المزاعم الخرافية والاسطورية لروايتهم التاريخية والتي ان وجدت مناصرين ومؤيدين خارج الاقليم فأنها لم تجد آذانا صاغية لها في الاقليم عليه لم يكن امام اسرائيل في الاقليم من قوة تستخدمها وتعتمد عليها في رسم سياساتها في الاقليم غير تلك الصلبة وهو ما أدى بها أي اسرائيل للدخول في سلسلة متواصلة من الحروب على مدار ال 65 سنة الماضية وهو ايضا ما زاد من تهاوى فكرة ان تكون لهذه الدولة أي قوة ناعمة مؤثرة في الاقليم مستقبلا نظرا لما احدثه وجود تلك الدولة من صراعات وحروب في الاقليم وهو ما عمق اكثر فاكثر استخدام القوة الصلبة او العسكرية في رسم سياسات اسرائيل تجاه الاقليم وهو ما يظهر جليا في تنامى موازنة وزارة الدفاع فيها والتي نجحت اسرائيل خلالها في فرض علاقات دبلوماسية كاملة على دول في الاقليم كمصر والاردن الا انها لم تنجح في تطبيع تلك العلاقات على الصعيد الشعبي او الثقافي نظرا للأسباب سالفة الذكر. من هنا يمكننا ان نجزم ان لدى صانع القرار في اسرائيل يقين ان مصلحة اسرائيل تكمن في تفوقها بالقوة الصلبة على كل دول الاقليم خاصة تلك التي لا تربطها بها علاقات او تناصبها شيء من العداء وهو ما جعل دائرة الامن القومي الإسرائيلي تمتد للآلاف الكيلو مترات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.والحال كذلك فان أي سلام مع دولة كإسرائيل لن يكون الا بضمانة تفوقها العسكري بما يحفظ مصالحها وليس حدودها الغير محددة اصلا.
ان اسرائيل بوجها الحقيقي الذى خبرناه نحن الفلسطينيون هي اسرائيل اليوم بقيادة اليمين وبراسة نتانياهو الذى تجسد سياساته تجاهنا زبدة تجربة دولته بعد65 عام من وجودها والتي تعتمد القوة الصلبة كأساس في التعامل مع كل ماله علاقة بمصالح دولته
ان اسرائيل هي التي قصفت مواقع في سوريا ومن قبلها السودان وتونس والعراق وهى اسرائيل التي تأكل كل يوم اراضينا بعطاءات البناء لمستوطنيها وهى اسرائيل التي ما لازالت تقتلنا في غزة والضفة وهى اسرائيل التي ما انفكت تطلق صراع الاسرى ثم تعتقلهم ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقيات والصفقات والتفاهمات انها نفس الرسالة ترسل مع اختلاف عنوان المستلم نفس العبارات ونفس التفاصيل (ان لم تقبلوا روايتنا وتمنحونا القوة الناعمة والشرعية الثقافية فان قوتنا الصلبة هي شرعيتنا) وهى رسالة لشعوب الاقليم قبل ان تكون للقادة.
والحال كذلك فان اخطر ما تخشاه اسرائيل ان لاتصل تلك الرسالة للشعوب او بمعنى اصح ان تجد من يكسر مضمون رسالة الردع وهو ما تجلى في حالات خاصة هنا وهناك فقد كسرت صواريخ غزة التي وصلت الى العمق جزءا من هذه الرسالة وان كان لوقت ما كما ان اصرار الرئيس الفلسطيني ابومازن على الذهاب للأمم المتحدة وطلب العضوية لدولة فلسطين قد كسر ولو لوقت ما رسالة الردع الإسرائيلي لكن الاخطر من ذلك كله في نظر اسرائيل ربما يكون الاضراب الذى ينفذه اسرانا في سجونهم والذى يكسر كل قواعد ومفاهيم الردع الذى تأسست عليه سياستهم لما يمثله من مساواة بين الحياة الانسانية والحرية.
ان معركة الاسرى مع عدونا هي المعركة الاخطر عليهم لما سيكون لها من تداعيات تليها في حالة نجاح اسرانا فيها بالاستمرار في اضرابهم حتى الشهادة او الحرية وفى كلا الحالتين ستخسر اسرائيل استراتيجيا الكثير من مفاهيم وسياسات حاولت لعقود فرضها علينا وعلى الاقليم كافة
ان اسرائيل القائمة اليوم على ارضنا هي ابعد ما تكون عن أي سلام ممكن ومقبول في المدى المنظور وهو ببساطة ما يعنى اننا مقبلون وقريبا على جولات اخرى من الصراع الاكثر دموية على ارض فلسطين وفى الاقليم ايضاً.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *