ربيع الحادي عشر من سبتمبر
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]ياسر بن عبد العزيز الغسلان[/COLOR][/ALIGN]
يتذكر العالم اليوم أحداثا وقعت قبل عشرة أعوام غيرت ما جرى في سويعات قليلة منها العالم بأجمعه، و أعادت رسم خارطة العالم السياسية بحيث أصبحنا نعيش اليوم في عالم لا تحكمه بالضرورة الأنظمة الدولية بقدر ما يحكمه المنطق السياسي الذي يراه أصحاب القوة و السيطرة و لا يخضع للبديهيات الأخلاقية في السياسة والأسس الإنسانية في الاقتصاد، فجميع تلك المحددات أصبحت اليوم تخدم أغراضا و أهدافا تسعى لضمان استمرار الحياة لطبقة إنسانية معينة وإن كان ذلك على حساب طبقة إنسانية أخرى.
في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر حينما هوجمت أمريكا بطائرات اصطدمت في برجي التجارة العالمية في نيويورك وفي مبنى وزارة الدفاع في واشنطون، تلك الأحداث التي كانت البداية والتبرير الذي انطلقت منه الولايات المتحدة الأمريكية في مسعاها لإعادة الهيمنة على العالم عسكريا و إقتصاديا و هو الحدث الذي كان يبحث عنه عدد من الإستراتيجيين الأمريكان منهم \”ديك تشيني\” نائب الرئيس الأمريكي و \”دونالد رامسفيلد\” وزير الدفاع لإعادة أمريكا لمجدها و ذلك وفق ما تضمنه تقريرهم الذي صدر في أغسطس من العام 2000م تحت عنوان The Project For a New American Century و الذي يشير فيه بوضوح إلى \”أن مهمة التحويل لأمريكا خلال القرن الحالي ستكون طويلة و ربما مؤلمة قد تتطلب مواجهتها لحدث على مستوى الهجوم الياباني على (بيرل هاربور) في هاويا\” و هو الهجوم الذي وقع على الميناء البحري الأمريكي و الذي كما هو معلوم كان السبب الرئيسي لدخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.
هناك من يفضل أن يرى أحداث ذلك اليوم من الناحية التكتيكية البحتة و التي تواجه فيها طرفان أحداهما ضعيف الإمكانيات العسكرية و لكنه غني بالمكر و الحيل و لا تخضعه أرض و لا زمان، و آخر قوي متمكن عسكريا و لكنه يفتقر للعدل و الحكمة و التواضع، بينما يفضل طرف آخر أن يرى تلك الأحداث على أنها مجرد المشهد الإفتتاحي لواقع كان مخططا له منذ سنوات يهدف إلى توحيد العالم تحت حكومة مركزية واحدة يحكمها عدد محدود من المتنفذين أصحاب المصالح الإقتصادية و العقائدية.
كان عالمنا العربي خلال العشر سنوات الماضية هو الأكثر تأثرا من هذه الأحداث التي نسبت بإثبات أو بتجنٍ لا فرق هنا لعدد من العرب المسلمين، فقد أثبتت الأيام بأن تلك الحرب الصليبية كما وصفها الرئيس بوش و أعلنها قبل أن يهدأ غبار مباني نيويورك و واشنطون لم تكن إلا تجسيدا لحقيقة جديدة مفادها بأن العالم يجب أن يهلل بديمقراطية أمريكا و ينحني لعظمتها في وجه ذلك الخطر الإسلامي الذي ورث من سابقه الخطر الشيوعي الذي لا يعرف الا الظلم لغة و يكره الحرية و العدل و المساواة و العيش المشترك على حد وصفه.
قبل أحداث سبتمبر من كان سيصدق لو قيل لنا بأن العالم العربي سيشهد ثورات شعبية و مطالبات بالحرية و أصوات تعارض ما كان يعتبر في السابق مجرد التساؤل حوله خروجا مهرطق للدين و المثل و الأعراف و الأخلاق، و من كان سيصدق لو قلنا بأن أمريكا بإمكانها أن تهاجم دولا عربية و أن دولا عربية دعمت جهارا إسقاط دولا عربية، و أن دولا تقسمت لشمال و جنوب بعد أن كان التوحيد بين الأقطار هو حلم تلك الأمة العربية، و أن إسرائيل باقية تراقب من الخلف و تشاهد و تتابع بسرور و ربما بقليل من القلق ما يحدث في حين تمكن الأخطبوط الايراني من لف أيديه المذهبية حول من أدعى العروبة و الوطنية، بينما نجد الدعوة لعودة الإستعمار العثماني تفوح في الهواء بين العروبيين و الإسلاميين و الحالمين بعودة مجد مزيف على أكتاف الغير.
بعد أن تعود العالم على متابعة أحداث هرب سيف العرب و حامي لواء العروبة و من ثم مشاهدة صوره و هو يخرج من حفرة آوته ثم يتابع و كأنه مسلسل مكسيكي محاكمته ثم شنقه في يوم الأضحى المبارك، لم يعد من المستغرب أن يعيش العالم العربي واقع إذلال الرؤساء الطغاة، فأحدهم يهرب دون مقاومة في إثبات لحقيقة الديكتاتور الكرتوني و آخر يخلع بعد ثلاثين سنة و بعد أن كان يهلل له كبطل لأعظم حروب بلاده، و ثالث يحتمي بين الدار و الدار و بين الزنقة و الزنقة هاربا من مصير محتوم، و رابع منفي و خامس محاصر من شعبه الذي لن يتركه يفلت، و سادس يغني حزنا على تقسيم بلده لشطرين هربا من محاكمته دوليا.
أحداث سبتمبر استطاعت أن تغير العالم بكل أوجهه السلبية و الإيجابية، فغيرت العالم العربي بحيث أصبح أكثر منطقية و برغماتية مع الواقع السياسي وحقيقته التي لا تعترف بالأصدقاء الدائمين و لكنها تعترف بالمصالح الدائمة، فقد فتحت تلك الأحداث أعين الشعوب على أن فكرة التوحد بين العرب في ظل وجود أنظمة لا تعتمد في تركيبتها السياسية إلا على النظرة التقديسية للقائد الذي وصل و \”بلط\” في الحكم دون شرعية شعبية لن تكون قابلة للتحقق، و أن العدل و المساءلة هما الأساس للحكم العادل الذي يقبله الشعب.
الإسلام اليوم أصبح أكثر قوة من ذي قبل لا بفضل \”القاعدة\” و أتباعها من خوارج الفئة الضالة بل لأن في وقت الشدة يظهر دائما المعدن الحقيقي للأمور، و أن الملايين الذين يغارون على حقيقة ديننا العظيم لن يقفوا و لم يقفوا مكتوفي الأيدي في وجه من يحاول أن يجعل من هذ الدين الحنيف حجة ظالمة لمهاجمته من أعدائه الظاهرين و المتخفين من أبناء جلدتنا، فعدد المسلمين في الولايات المتحدة يزداد يوما بعد يوم مثلا رغم الإضطهاد و في أوروبا تتزايد أعداد السيدات المجاهرات بحجابهن و نقابهن لا تحديا للرجل الأبيض و لكن التزاما بقناعتهم الإسلامية التي هي رأس مالهم و فخرهم.
بعد عشر سنوات من ذلك اليوم الذي لا يمكن أن يوصف إلا بالأسود لأنه قتل أبرياء و لأنه كان التبرير الذي كان ينتظره دعاة التطرف الأمريكي من \”المحافظين\” الجدد و مناصري فكرة النظام الأحادي للعالم، أقول إننا اليوم نعيش حياة هي نتيجة لتلك الأحداث بكل سلبياتها و إيجابياتها، فلمن يحلو له القول بأن الربيع الذيا نعيشه اليوم هو نتيجة لمحركاتنا الداخلية أقول (فكر مجدد) فإنك ستكتشف بأنك جزء من سيناريو وضع لك منذ سنوات ربما لا يتجاوز حجمك الحقيقي فيه أكثر من جندي على طاولة شطرنج.
إعلامي سعودي
تويتر @alghaslan
التصنيف: