[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي محمد الحسون[/COLOR][/ALIGN]

هكذا وجدت نفسي في جواره على مقعد تلك الرحلة الذاهبة إلى \”المدينة\” المسكونة في ذرات مسامنا.. عندما دفع إليَّ بإحدى الصحف قائلاً: خذ اقرأ.. وكان \”بفعلته\” تلك قد \”سرق\” مني لحظة استغراق لا أمتع منها وأنا أشاهد من شاهق تلك \”المنارات\” أو المآذن المنتصبة في شموخ وعز.. تحيط بتلك القبة الخضراء.. \”التي تعتصر قلبك\” كأنها ترعاه من على البعد.. مددت إليه يدي شاكراً له.. وقبل أن أتم شكري قال: وقد كان مستغرقاً تماماً من قراءتها قبل أن يدفع بها إليَّ \”إن لا شيء فيها وكلها مثل بعضها البعض\” \”يقصد الصحف السعودية\” قلت وقد أحسست باندفاعه في الكلام مع من لا يعرفه من قبل.. ليس هذا صحيحاً.
قال لي فإما إنك أحد الذين يكتبون في هذه الصحف.. أو إنك ـ من رجال ـ الحكومة!!..
ازددت يقيناً باندفاعه.. لم أجبه.. فراح يستعرض مع إحدى مضيفات الرحلة بعض الكلمات \”الايطالية\” مبرزاً عما يحفظه من مفردات تدور كلها عن الأكل الايطالي ومشتقاته من \”المكرونا\” و\”الاسبكتا\” و\”اللازانيا\”.
وحمدت الله أن انشغل في حواره معها لأغرس نظراتي عبر زجاج النافذة وبقايا من خيوط شمس الأصيل تداعب رؤوس الجبال.. في حالة لملمت بقايا ذلك النهار بعد أن فقدت تلك الشمس رؤوس \”النخيل\” التي كانت تداعبها \”كما تقول أم كلثوم\” بعد أن تحولت تلك المساحات الخضراء وتلك \”النخيل\” إلى كتل من الأسمنت وإلى \”علب\” صماء من العمارات.
كانت الطائرة.. \”تتمرجح\” كأنها.. \”هندول\” طفل تركته أمه داخله ليغفو فيه.. لكن جاري لم يدعني أمارس \”هوايتي\” في كل مرة امتطي فيها الطائرة بأن أغفو فقد راح يصب في أذني من حشو الكلام.. عن الصحافة وعن رؤساء التحرير وعن عدم قدرتهم على ملاحقة كل ما ينشر لديهم.. وعن ذكرياته عندما كان يدرس في أمريكا.. كل ذلك قاله دون أن يعرف اسمي.. أو أن أعرف اسمه.
لقد كان رغم كل هذا الاندفاع ظريفاً \”سامحه الله\” أن حرمني من غفوة لا أجمل منها. وإلى الغد.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *