ديمقراطية الغرب.. بضاعة الشرق المنسية

• بخيت طالع الزهراني

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]بخيت طالع الزهراني[/COLOR][/ALIGN]

** المتابع لما يجري الآن على الساحة العربية لابد مع التأمل العميق أن يجد أنها افراز طبيعي لحقبة زمنية من الاحتقان المجتمعي، وتنفيس عام عن سيل من التراكمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي ضربت بأطنابها بعض بلاد العرب قروناً طويلة، منذ انطفاء آخر سراج للدولة العباسية، وتمزق الأمة بعدها الى دويلات، وبدء حالات مذهلة من التناحر والعصبيات والمذهبيات.
** ولقد كان من نتيجة ضعف النظام السياسي – العربي تحديداً – ومعه كل ملحقاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية.. الخ ان تراجعت الامة العربية – كما ترى عيوننا اليوم – الى اخر الصفوف، بعد ان كانت في أولها، وتقدم بدلاً منها الآخرون، أولئك الذين تعاملوا مع فضائهم المحلي بمنطقية وعقلانية ورشد، وممن احترموا انسانهم ومنحوه حرية الابداع، واتاحوا له الفرص في الحياة بقدر متساوٍ، ووفروا له سبل الحياة الكريمة التي يتساوى أمامها الجميع، وأنكبوا على محاور العلم والصناعة وأسسوا لنظم سياسية واجتماعية وثقافية فعالة، راهنت على الانسان أولاً وأخيراً، واعتبرته ثروتها الحقيقية، التي بها ومن خلال تحقق سعادة الداخل، وتكون مرهونة الجانب في الخارج.
** الأمر الذي يبدو الآن كما لو كان محيراً، هو كيف ثارت تلك الشعوب العربية في هذا الوقت بالذات، وبهذا الاعصار المدوي، نعم قد يكون هذا محيراً لانسان الشارع العادي غير المتخصص، لكنه كان ضمن حسابات وتوقعات المختصين في مراكز الدراسات الاستراتيجية، ممكن كانت رؤاهم العلمية تقرأ المستقبل بعناية، عطفاً على الماضي القريب والحاضر المعاش.
** الاحتجاجات العربية الحالية في أكثر من بلد تطالب بالديمقراطية، كواحد من بين أولوياتها، وهو نظام سياسي اجتماعي مشاع في الغرب، وله بريقه وحضوره الذهني، كأصلح نظم الحياة التي يراها عدد كبير من الناس اليوم، بعد ان غاب في معظم الدول العربية التطبيق المنهجي الصحيح للنظام الاسلامي الشوري (بكسر الراء) والذي انحسر منذ أفول الدولة الإسلامية الأولى ولم يعد حاضرا بكل توهجه ووهجه وتكامليته.
** العالم الغربي او ما يعرف بالعالم الأول والثاني ايضا اختار لنفسه النظام الديمقراطي سبيلا لحياته السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وصار يحظى بالبريق والجاذبية، والواقع ان من يتأمل هذا النظام يجد ان فيه جوانب كثيرة من التراث السياسي الإسلامي، والدستور الفرنسي نموذجا، حيث اعتماد الحريات والعدالة وتقدير وكفالة حق الإنسان والمواطنة بشكل كامل، وقبول الآخر والعمل على تكافؤ الفرص الى غير ذلك المحاور التي لو دققنا فيها لوجدناها كينونة اسلامية استنسخها الغرب.
** نحن العرب قد يصاب الكثير منا بالدهشة عندما يصطدم بمواقف انسانية مثالية قادمة من الغرب، ان على مستوى حرية الرأي، او احترام آدمية الفرد، او الشفافية في معظم الحياة الغربية، وما درى هؤلاء المندهشون ان هذه هي بضاعتنا اصلا، وهي تراثنا القديم الذي طويناه، وكان منهجاً يغلف كل شؤون حياتنا وجميع اشخاصنا، وفي تقديري -واقولها بثقة- لو أننا قدمنا بعضا -فقط بعض- من صور الحياة العامة في حياتنا ايام الإسلام الأولى – وتحديدا كمثال فقط من عهد امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اقول لو قدمناها للغرب على سبيل استرجاع واثبات كفاءة النظام الإسلامي الصحيح، لوقف الغرب مذهولا منها، ولاعتبرها ديمقراطية الديمقراطية نفسها، بل والنموذج المثالي لقيادة الحياة، وهي الصورة التي اذهلت حينها الفرس والروم، عندما وجدوا انفسهم امام قوم قادمين من بطاح مكة ورحاب المدينة المنورة، وبين ايديهم نظام باهر لادارة الحياة بكل تشعباتها، ولذلك -وكأمر طبيعي- فقد ساد به الاوائل من قومنا العالم ذات مرة من التاريخ.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *