[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]سلام سرحان [/COLOR][/ALIGN]

مرَّ ويمرُّ في خضم الأخبار العالمية الصاخبة، دون اهتمام كبير، أخطر تطور سياسي منذ عقود، بل استطيع القول منذ قرون. إنه اتحاد أوروبا، الذي أصبح حتميا، في كيان واحد.
فأوروبا التي حاصرتها الأزمة المالية، لم تجد سبيلا للهروب منها سوى بمزيد من التقارب، وأصبح الحديث صريحا عن قيام كيان سياسي، سيكون حتما عبارة عن اتحاد فيدرالي، سيأخذ في نهاية الأمر شكل الولايات المتحدة الأوروبية عاجلا أم آجلا.
أن تأتي دعوات الاندماج في كيان سياسي واحد من الدول المثقلة بالديون، فذلك أمر طبيعي، لكن أن تأتي من الدول التي تحمّلت وتتحمّل عبء متاعبها، فهو أمر ذو دلالات كبيرة.
أن يتوسل الفقراء الاتحاد مع الأغنياء أمر منطقي ومتوقع، لكن أن تأتي النداءات من الدول الغنية ومن الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية فذلك أمر آخر. قيام اتحاد سياسي بين سبعة عشر بلدا، تضم عددا كبيرا من الشعوب، وفي هذا العصر بالذات، يمكن اعتباره من أكبر الأحداث العالمية.
معظم البلدان الأوروبية وخاصة الغنية، لم تكن راغبة بهذا الخيار، ولكنها وجدت نفسها مجبرة على القبول به، لأن البديل هو دمار اقتصاد أوروبا بل ودمار الاقتصاد العالمي.
القراءة الاقتصادية لاحتمال خروج اليونان من منطقة اليورو تقول إنه سيؤدي إلى متاعب مالية لا سابق لها لمنطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. وسينعكس ذلك حتما على العالم، فيؤدي إلى انهيار اقتصادي عالمي.
لذلك فالخيار الوحيد أمام أوروبا، هو الهروب إلى الأمام وتحقيق الاتحاد المالي، الذي سيجعل الاتحاد السياسي نتيجة حتمية.
هذا الخيار، سيحتاج إلى الكثير من الضوابط والقواعد الصارمة، ولكن ما إن تتحرك عجلة الاندماج الأوروبي، التي ستبدأ بالاتحاد المصرفي والمالي، حتى تصبح أوروبا أكبر اقتصاد في العالم، وستتمكن حينها ببساطة من طي صفحة الأزمة المالية، وردع أي مضارب في الأسواق، يمكن أن يخطر بباله تحدي تلك القوة الاقتصادية الهائلة.
وسينتج ذلك تفاؤلا هائلا يخرج منطقة اليورو بجميع أنحائها من الأزمة المالية الحالية.
ذلك الكيان الجبار، سيصبح قادرا ببساطة على ضم 11 بلدا أخرى من دول الاتحاد الأوروبي، لا تزال حتى اليوم خارج منطقة العملة الأوروبية… ربما باستثناء بريطانيا في المنظور القريب.
وأشدد على عبارة المنظور القريب، لأن بريطانيا لن تستطيع بعد سنوات، مقاومة مزايا الانضمام إلى منطقة اليورو.
وستصطف دول كثيرة للانضمام إلى الولايات المتحدة الأوروبية، التي ستكون أقدر حينها، على قبول واحتضان الاعضاء الجدد.
لن أستطيع مهما حاولت أن أصف الأهمية الخطيرة لقيام دولة واحدة مكونة من 17 بلدا ومرشحة لتضم ما لا يقل عن 11 بلدا آخر! بل إن قدرتها على ضم أعداد أكبر من البلدان ستتزايد يوما بعد يوم.
ليس مستبعدا حينها أن تضم دولا أخرى من أوروبا الشرقية، بل يمكن بعد سنوات أن تضم دولا من خارج القارة الأوروبية، وليس مستبعدا أن تلقن العالم درسا مستقبليا كبيرا بأن تمتد طموحاتها لتضم دولا من خارج القارة الأوروبية، ومن الدول غير المتصلة جغرافيا مع أوروبا. قد تكون دولا آسيوية أو أفريقية أو من الأميركيتين.
ولن تكون بعض الدول العربية خاصة في شمال أفريقيا بعيدة عن الأحلام الأوروبية… حينها قد تتم مراجعة كلمة أوروبا في تسمية ذلك الكيان.
وربما… ربما تلوّح أوروبا لإسرائيل ولبنان بالانضمام، في خطوة ذات أبعاد سياسية لتقلب طاولة الشرق الأوسط ومستقبله باتجاه الاستقرار. قد يبدو هذا الطرح مستقبليا بشكل مفرط.
اتحاد أوروبا في كيان فيدرالي موحد، سيكون ضربة عالمية استباقية رائدة… نواة ونموذج لما يمكن أن يؤول إليه العالم بعد عقود من الزمن… لكن تلك العقود يمكن أن تُختصر الى سنوات، قد تكون معدودة، بمساعدة عدد من الأزمات العالمية الخانقة.
ما كان لأحد أن يتخيل أن تتجه الدول الأوروبية الى اتحاد فيدرالي، حتى بعد عقود من الزمن! ولكن أزمة مالية طاحنة أدت الى تقريب ذلك الموعد.
العالم تغير بشكل كبير عما كان عليه إبان الحرب الباردة، وسلطة المجتمع الدولي تزايدت في السنوات الأخيرة الى درجة يمكن القول معها إن هناك سلطة عالمية مركزية أصبحت تحكم العالم.
لم يعد بإمكان قوة انقلابية أن تستولي على السلطة في أفريقيا أو أميركا اللاتينية.
الجبهة المالية هي الملف الحاسم في مستقبل السلطة المركزية للمجتمع الدولي، وهي آخذة في التزايد، وقد لا يمر وقت طويل قبل أن نجد العالم بسلطة مالية موحدة، وربما بعملة عالمية موحدة.
الأمر ليس جديدا، فخلال ذروة الأزمة المالية عام 2008 جرى الحديث عن طرح عملة احتياطات عالمية موحدة، أي عملة عالمية تستخدم في احتياطات المصارف المركزية فقط , ومع أن الأرضية لم تكن مهيأة لمثل تلك النقلة النوعية، فإن مجرد طرحها في أول اجتماع لقمة العشرين، ومن قبل الصين، كان حدثا عالميا كبيرا يشير الى ملامح المستقبل.
كل تلك مقدمات للقول بأن وحدة دول أوروبا تمثل نواة لمرحلة لن يكون أمام العالم فيها سوى فرض سلطة مالية مركزية عالمية، إذا أصبحت السياسات المالية المحلية تهدد مستقبل النظام المالي العالمي.
قد لا يحدث ذلك خلال وقت قريب… لكن عددا من الأزمات العالمية يمكنها أن تجبر العالم على فرض سلطات مركزية موحدة في غضون سنوات معدودة، خاصة إذا هددت تلك الأزمات مستقبل الإنسان على هذا الكوكب.
لذلك يمكن القول إن ما يحدث في أوروبا هو نواة لما يمكن أن يحصل على مستوى العالم… وخلال وقت قد يكون قصيرا وفي متناول أعمارنا \”القصيرة\”.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *