دولة. . أم دولتان.. أم انفصال؟

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد هواش [/COLOR][/ALIGN]

تزايدت أخيراً بين الفلسطينيين الدعوة إلى فك الارتباط مع \”حل الدولتين\” في مقابل تمسك القيادة الفلسطينية وإحياء خيار \”الدولة الواحدة \”، وقد وجدت هذه الدعوة سبيلها اليوم إلى أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح وفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إضافة إلى دوائر عمل أهلية ليست بعيدة عن فتح ومنظمة التحرير وضعت لافتات ضخمة على مداخل مدينة رام الله تطالب بحل الدولة الواحدة، علماً أن الدعوة كانت تقتصر سابقاً على وطنيين فلسطينيين ينتمون إلى تيار يساري رومنسي يحلمون بدولة ديموقراطية علمانية لكل مواطنيها.
يعتقد كثر من الفلسطينيين أن إسرائيل تغلق الأبواب أمام أي حل سياسي يؤدي إلى تفكيك الاحتلال، لا حل الدولتين، ولا حل الدولة الواحدة، ولا أي حل سوى استمرار إسرائيل باحتلالها الأرض والسيطرة عليها بحجج وذرائع لاحصر لها من الأمن إلى مصادر المياه إلى اعتبارات أيديولوجية ودينية، ولم تتجاوز إسرائيل الرسمية حتى اليوم خط التسوية على حل \”الإدارة الذاتية للسكان الفلسطينيين\”، بصرف النظر عن طبعاته ودعاته، إذ لم يشذ عن هذه القاعدة سوى رئيسي الحكومة الإسرائيلية السابقين إسحق رابين وايهود أولمرت، وقد أُقصيا سياسياً، الأول بالقتل، والثاني بإثارة الرأي العام ضده.
وهناك ظاهرة ثالثة لم تكتمل حتى يمكن الحكم عليها، هي الانفصال من جانب واحد، لكن ما ظهر منها هو ترك غزة لمصيرها وتعميق الاستيطان في الضفة والانفصال عن الفلسطينيين خارج المجال الإقليمي للمستوطنات.
منذ تقلد بنيامين نتنياهو مقاليد الحكم في إسرائيل أعلن موافقته على (حل الدولتين) في خطبته الشهيرة في جامعة بار إيلان. ولكن سلوك حكومته كله يتعارض ويتناقض مع هذا الحل.
صحيفة \”الفاينانشيال تايمز\” البريطانية رأت في تقرير لها (23 نيسان 2012 ) أن \”خطوة تشريع إسرائيل بؤراً استيطانية في الضفة أثارت قلق الكثير من الحكومات الغربية في ظل تنامي المخاوف من أن التوسع الاستيطاني اليهودي الثابت بالضفة الغربية يدمر احتمالات إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ومن ثم يدمر فرص السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين\”.
الحديث عن تدمير حل الدولتين يرد، أيضاً، على لسان مسؤولين فلسطينيين كثر. ولكن الرد عليه حتى اليوم يتم بالتمسك بحل الدولتين. لماذا؟
حل الدولة الواحدة عرضته منظمة التحرير الفلسطينية في أوج انطلاقة العمل الفدائي وانبعاث الشخصية الوطنية الفلسطينية أواخر الستينيات من القرن الماضي، وكان مرادفاً دبلوماسياً في ذلك الوقت لشعار تحرير فلسطين، قبل الحديث عن إمكان تسوية للقضية الفلسطينية يحصل الفلسطينيون فيها على دولة لهم في السنوات اللاحقة.
ومنذ انتقال الفكر السياسي الفلسطيني من مطلقات التحرير التي لاتحتاج تفاوضاً على أي شيء إلى مبدأ التسوية السياسية الذي أدخل الفلسطينيين بعد الاعتراف بكفاحهم وحقهوقهم السياسية، لاحقاً، في عمليات جزر ومد لتعريف الحقوق السياسية لهم، لا بمعزل عن ميزان القوة في المنطقة وربما في العالم، بل انطلاقا من هذا الميزان الذي وجد الفلسطينيون أنفسهم فيه طرفاً أساساً وعنواناً لأي تسوية تتعلق بمستقبلهم ومصيرهم. وربما يكون هذا إنجاز الحركة الوطنية الفلسطينية الأساس خلال الستين عاماً التالية للنكبة بعد إحياء الهوية الوطنية الفلسطينية. ومن هذا الاعتراف لهم بهذه المكانة وضعوا أنفسهم في قيود لاحصر لها تتعلق بالشرعية الدولية ومقتضيات العمل استناداً لاعترافها بالحقوق الوطنية الفلسطينية ، وتحديداً في إطار دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل تعيشان في أمن وسلام، وهذه اللازمة صارت جزءاً من أي اعتراف أممي جديد بالدولة الفلسطينية العتيدة.
استناداً إلى ذلك، فإن تحقيق حل الدولتين هو المكسب الكبير الذي بتحقيقه يمكن أن تصبح الدولة الوليدة محور ومركز تطور الشعب الفلسطيني وحل جميع مشكلاته بصورة واقعية بعيداً من الشعارات التي يبعد التمسك بها أكثر عن إمكان تحقيقها، من دون الدخول في تفاصيل كل شعار، لأنها كلها شعارات محقة في جانب أساس منها، وليس هنا مجال الحديث عن الفرص والمخاطر حيال كل شعار.
لكن حل \”الدولة الواحدة\” الذي صار اليوم مسموعاً في دوائر فلسطينية تتسع، ولم يعد مجرد شعار لمجموعات وطنية رومانسية، لا يقوم على تحليل فرص ومخاطر كلٍّ من شعاري \”الدولتين\” و\”الدولة الواحدة\”، بل من رؤية أن إسرائيل تسد كل الطرق لحل الدولتين، ومن فقدان الأمل، بل واليأس من إمكان تحقيق \”حل الدولتين\”.
مع ذلك، هناك تقديرات فلسطينية بأن إسرائيل تزداد عزلتها الدولية، وتستفيد من الفراغ السياسي والانشغال الدولي بأزمات وأوضاع داخلية انتخابية واقتصادية وانتقالية وتشدد من قبضتها على الفلسطينيين وتحاول في هذه الأوضاع الشائكة فرض أمر واقع يرسم \”حدود الدولتين\” على التجمعات السكانية الفلسطينية من دون محيطها الإقليمي ومن مناطق الاتصال بينها والطرق المؤدية منها وإليها، فضلاً عن تسريع وتيرة الاستيطان في القدس ومحيطها وخلق غالبية يهودية في القدس الشرقية . ويرى الفلسطينيون أن ذلك هو بالضبط ما يمنع إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، أي منع إقامة دولة فلسطينية وإسقاط حل الدولتين.
مع ذلك، فإن هذا لايعد كافياً من وجهة نظر الداعين إلى التخلي عن خيار الدولتين وإبداله بخيار الدولة الواحدة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *