دم الأسير الذي قصم ظهر السجان
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أسامة نجاتي سدر[/COLOR][/ALIGN]
عرفات جرادات نجمٌ سطع بين ليلةٍ وضحاها في سماء فلسطين التي تعجُّ بالنجوم اللامعة التي تحير من يرنو إليها بحبٍ واحترام، أصرَّ أن يكون له كلمة الفصل في قضية يتناولها معظم الناس بالكثير من التهاون وعدم المبالاة، وكأنها تخص سكان شرق آسيا أو حتى المريخ، صرخ ليُسمع العالم أن الشعب الفلسطيني مستهدفٌ بكامل أفراده شبابا وشيبا رجالا ونساء سواء كان في المعتقلات أو المعتقل الكبير الذي يضمهم جميعا، تكلم بلغة تصل إلى الجميع بلا كلمات ولا حروف … تكلم بلغة العزة والكرامة والتضحية التي لا يمكن أن يتجاهلها إنسان، ليثقب نداءه آذان من لم يفكر بالثورة لدماء إخوانه القابعين في براثن العزة والصمود.
لم يحتمل هذا الشاب ظلام سجنه لعشرة أيام فقط، وهناك من تجاوز سجنه بضعة عقود يقضيها مرفوع الرأس متوّجاً بمجد نضاله في سبيل وطنه، حاملاً عبء وطنٍ يضمّه بين أضلعه يتألم بألمه وتقتله السهام التي تجرّح فيه، لا يستطيع وهو الأسد المقاتل أن يدافع عنه وهو أعزُّ عليه من النَفَس الذي يذوب في صدره، يطوف بخاطره هموم الشعب الفلسطيني والأمة العربية من أقصاها لأقصاها، يأنُّ مع الأقصىمع كل ضربة تهز أركانه، وتترك على خده دموع الثكالى أثرها الذي لا ينمحي،ويرتعش مع كل طفل هدم المحتل منزله، ويكسر قلبه نزاع أطرافٍ جميعها تحسب أنها موكلة بمصلحة الوطن والوطن يضيع من بين أيديها أكثر فأكثر كل يوم.
لا يجد غطاءً يَجُبُّ عنه البرد في ليالي الشتاء، ولاطعاماً يشدُّ به أزره ويقويه على ضربات السجان الذي لا يرحم، ولا يجد أذنا تسمع أنّاته إلا من الله يسمع نجواه والناس نيام، بل لا يجد من يغرس له أملا في مستقبلٍ يثمر نصراً أو حرية … لا يجد إلا الجدران فيرسم عليها حكاية عزٍّ وشموخ وكبرياء وتضحية سيحكي عنها التاريخ صفحات وصفحات، ويسمو بها الأبناء لأجيال وأجيال، ريشته الأمعاء الخاوية وعزيمةٌلم يحملها الأبطال، وإرادة تقصّر عنها الجبال.
يبحث في ضمائر العالم عن إنسانيته التي أهدرها المحتل في طريقةِ خطفه من بين ذويه مكمّمَ الفمِ مغطى العينين مكبل اليدين بين جنود لا يتكلمون إلا بكلامٍ بذيءٍ جارحٍ لكل ما هو مقدس في نفسه وفي وطنه، وفي خيمة وضعوه فيها لا تقيه برداً ولا حراً، أو زنزانة أُغلقت أبوابها لا يرى فيها نورا، أو طعامٍ يقدم إليه لا تدري فيه نفعا أو ضرا، ودواء لا شفاء فيه ولا تسكين لألم، بل في محكمة لا تجد من الظلم بدا، حكمٌ إداريٌّ قد يدوم شهرا أو دهرا، وهو هناك صامدٌ يُشبع السجان قهرا، ولا يجد من النضال داخل السجن أو خارجه مفرا.
لا يمكن أن نرى عرفات جرادات حالة خاصة، فقد تجاوز شهداء الحركة الأسيرة المئات وربما الآلاف، ولكنه الشعرة التي قصمت ظهر البعير، إذ لم يعد من المقبول بأي حال السكوت عن حال الأسرى في المعتقلات الصهيونية بعد اليوم، ومن غير الممكن أن تختلط دماؤه بمياه الثورة الراكدة فلا تحركها، أو لا تشعل فينا لهيب انتفاضة ثالثة لأجل الأسرى، وإن كثرت المشاعل التي تُوقدها من جهات متعددة في لتوصلنا إليها، من سياسة الحكومة الإسرائيلية وإجراءاتها تجاه المسجد الأقصى التي كادت ان تفرض واقعاً بشعاً يرفضه المسلمون في كل أنحاء الدنيا، إلى الاستيطان الذي ليس فقط قضى على امكانية إنشاء الدولة بل يهدد التواصل السكاني بين أنحاء الضفة الغربية، إلى سياسة الإغلاق التي تفصل المدن … بل الحارات عن بعضها البعض، إلى المصالحة التي ما إن نتقدم في سبيلها خطوة إلى الأمام حتى نعود خطوات.
لن يحتمل الشعب الفلسطيني أكثر .. ولن تكون دموع أمِّ هذا الأسيرالبطل الشهيد نهاية القصة، بل بداية ملحمة آن لها أن تقع، يدفع فيها المحتل نتيجة بغيه وظلمه، ويخرج منها شعبنا مرفوع الرأس حرا مستقلا يملك قراره، بدأها الشبان الأبطال في الخليل ورام الله ونابلس اليوم كما بدأوها في انتفاضة الأقصى، ومخطئٌ من يقف في طريقهم، لأنه سيحترق بالنار التي توجه إلى المحتل، وينتهي كمن يقف أمام السيل بعود كبريت .
التصنيف: