شهوان بن عبد الرحمن الزهراني

المسلم مطالب ومأمور بالاحتكام إلى ما جاء في نصوص الشريعة ، فلا يجوز له الخروج عنها قال الله تعالى : [ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . ] ومن هنا نستطيع القول أن الارتهان في الأقوال والأفعال إلى النصوص الشرعية أمر واجب على المسلم ، فهو محاط بسياج محكم ومقيد بمنهج واضح وملزم بالأحكام الشرعية يسير في فلكها ، فلا يخرج عنها قيد أنملة ، ولا يقدر على فك ذلك القيد الذي حددته النصوص وجعلت له حدوداً لا يمكن تجاوزها ، فإن فعل فقد عصى الله تعالى واقترف إثماً مبيناً وحاد عن سواء السبيل ، وستكون عاقبة أمره وبال وهو في سفال قال الله تعالى : [ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا ]
بيد أن كثير من الناس يتغافل عن تلك الحقيقة عمداً أو يجاوزها جهلاً . فهناك من يسرف في هذا التجاوز حتى ينسى تلك الحقيقة الشرعية ويتغافل عنها ولو وقف الإنسان وقفة تأمل لوجد أن الكثير من الكلمات أو الأفعال التي نرددها يومياً ونتعامل من خلالها لو نطقت لقالت لصاحبها بأعلى صوتها دعني . دعني ! ولوجد أن هناك من الخواطر التي تمر على الفكر وتسرح في دهاليز الخيال لو تجسدت آثارها ونتائجها في صورة مرئية لهرب منها صاحبها ـ ولأطلق ساقيه للريح ، والكثير من الأفكار التي تخامر الأذهان لو سارت على قدمين ، لأزكمت روائحها الأنوف ، وأجبرت الناس على تجنبها والهروب من روائحها ، وبعض الخواطر والأفكار تكون خطورة نتائجها وتأثيرها على عقائد الناس والنيل منها ، وإفساد أخلاقهم كبيرة ، وتعتبر أشد خطورة من انتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة ، لأن خطورة الأمراض الأخلاقية على الفرد والمجتمع أشد وأقوى من الأمراض البدنية . فهي تفتك بقلوب العامة وتأخذ من الوقت والجهد في علاجها الشيء الكثير وقد يصعب علاجها واجتثاثها من قلوب الناس . بينما الأمراض البدنية لا تصيب إلا عدد محدود ويمكن علاجها بسرعة .وبرغم هذه الخطورة فإن بعض الناس يمارس التجاوز والقفز على النصوص الشرعية ولا يتورع في أن يتكلم أو يكتب أو يدعو إلى ما يخالف نصوص الدين بمجرد أن تعرض فكرة على ذهنه أو تخطر خاطرة على باله أو يسمع بكلمة عابرة، أو يجد نصاً في كتاب غير موثوق حتى لو كان مخالفاً للثوابت والنصوص . أو يرى حادثة أو يقرأ عبارة أو يجد معلومة حتى يسارع بالكتابة حولها . بل يدمغها بدمغة الهوى وخاتم التظاهر بالمعرفة ، والجرأة على الحق بالخروج عن المألوف ، وكأنه أتي بما لم تأت به الأوائل ، أو بزّ به الأولين وسبق به المتأخرين ، مع أنه في حقيقة الأمر لم يأت بأكثر من فعل وقول رخيص ، لا يتفق مع الأخلاق والمبادئ والقيم ، ولكن لكونه لم يتورع عن تجاوز الحق وتجرأ عليه وذهب ينشر الوباء والشرّ بين الناس بمثل هذه الأفكار والمعلومات والآراء والطروحات فقد وسوس له شيطانه أنه كاتب جريء ومتكلم صريح .!؟
أن التأني في الإقدام على الفعل أو القول يؤدي غالباً إلى القول الصحيح الهادف والفعل النبيل ، أما تقحم الأمور فنتائجها في معظم الحالات تكون سقيمة وإلى الرذائل والعاقبة السيئة أقرب ، وقد تمنى أبو بكر الصديق أن تكون له رقبة جمل حتى يتأنى في إخراج الكلام فلا يتكلم إلا بما يكون مفيداً وصحيحاً . وهذا يؤكده حديث معاذ بن جبل حينما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس على مناخيرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ] وهذا يعني أن كل قول أو فعل يقوم به الإنسان يجب أن يتأنى في القيام به ، وبخاصة إذا كان ذلك الفعل أو القول في عامة من الناس يمكن أن يتأثروا به .
والغريب أن ما يكتبه زمرة من حملة الأقلام وما يدعون إليه عبر وسائل الإعلام المختلفة في بعض الأمور المخالفة للشرع في الوقت الراهن فإنه من قبيل تلك الخواطر والأفكار التي لو تجسدت أو نطقت لقالت لكاتبها دعني ، ولو كان لديه عقل لهرب منها ، وتركها لغيره تبحر في الهواء فلا يكون أثمها ووزرها عليه .
يقول الخليفة العادل عمر بن الخطاب في تعليماته لأبي موسى الأشعري حين ولاّه القضاء : \” وإذا عرض لك أمران أحدهما لله والآخر للدنيا فآثر نصيبك من الله ، فإن الدنيا تنفذ والآخرة تبقى . \”
إن من الثابت شرعاً ومما دلت عليه النصوص إن الإنسان يسأل يوم القيامة عن علمه فيما عمل به ، فمن الخير له أن لا يقول إلا ما يكون فيه جلب مصلحة محققة لنفسه وللناس ، وأن تكون مقرونة بالنية الخالصة لله ، وأن لا يسمح للشيطان أن يستخدمه كمطية لنشر فكر سقيم وتلويث مفاهيم الناس بمعتقدات ومبادئ وأفكار مخالفة للدين . لأنه يكون بذلك قد اقترف عملاً تكون عاقبته وبالاً عليه يوم لا ينفع مال ولا بنون . ويكفي الإنسان ما يقترفه في خاصة نفسه من ذنوب فلا يتحمل أوزار الآخرين لكونه سنّ سنة سيئة وعملوا بها .
اللهم إننا نسألك أن تجعل أعمالنا وأقوالنا في رضاك إنك ولي ذلك والقادر عليه
ص . ب 9299 جدة 21413
فاكس : 6537872
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *