دعشنة أطفالنا مسؤوليتنا جميعاً

• عبدالرحمن آل فرحان

يا أيها الآباء ويا أيتها الأمهات .. الدعشنة أصبحت هاجسنا جميعاً ، هناك من يختطف عقول فلذات أكبادنا ونحن ننظر ، والسبب مهما تشعب الحديث فيه فمرده يعود لمصدره الأول .. البيت ، ومن يتأمل البيوت اليوم يجدها بكل أسف لم تعد سوى أماكن لأجسادنا بينما عقولنا شاردة في أفلاك الإنترنت سابحة في تلك الفضاءات السيبرونية ، كل يحمل بين يديه عالمه المنفرد ، الأب غارق في عالمه وكذلك الأم ، حتى الأطفال ؛ كل له هاتفه الذي يغنيه عن الآخر ، حتى وإن اجتمعت العائلة على وجبة ما فلن يتم بغير تلك الحواجز الزجاجية ، فقدنا الحوار العائلي إلا فيما يخص ماذا تأكل .. وماذا تريد أن تلبس .. وهل أنت جائع .. وأعطني مصروفاً ، وما عداه صمت وإيماءات ، فغدا الأصل الانعزال والشاذ التواجد معاً .
يا سادة مثلما يجب علينا إشباع جوعهم البدني علينا كذلك إشباع جوعهم الوجداني وجوعهم الذهني . فالعقل يجوع وشبعه النقاش الدائم ، فلنعيد أطفالنا للحياة الاجتماعية الواعية ، وذلك بالتخلص مما يشغلنا عنهم ويشغلهم عنا ، وأعني به ذلك الجهاز المريب الذي سرق أجمل ما يمكننا تقديمه لأطفالنا ، الوقت والاهتمام والرعاية ، ليس بحرمانهم من أجهزتهم بل بجعلها في أوقات محددة لا تزيد عن ساعتين متقطعة طيلة اليوم وفي جو متاح للإشراف العائلي ، ثم نملأ بقية الساعات بما يذهب عنهم الكلل والملل ، كإشراكهم في أندية رياضية كالفروسية والسباحة وكرة القدم ، أو بتشجيعهم على الانخراط في دورات لتقوية اللغة الأنجليزية أو الميكانيكا أو حتى في مهارات الإسعافات الأولية وتحسين الخط العربي وغيرها مما لا مجال فيها للعزلة والانعزال ، المهم أن نعيدهم لعالم الحركة الواقعية ، ولا يمنع كذلك من تشجيعهم على القراءة في الكتب الصديقة للقيم الإنسانية النبيلة وأخلاقنا الدينية المتسامحة ، وحثهم الدائم على انتقاد ما يقرأونه وعرض اعتراضاتهم أمامنا ، فهذا مما يشجع على البوح بمكنونات الفهم الذي استقر في أذهانهم من دون قلق أو خوف من ردات فعلنا، كما وأن دفعهم باتجاه التقصي والبحث والتحري له فضائل المعرفية التي لا غنى عنها بالنسبة لكل طفل موهوب يسير بذكاء متقد على طريق فهم المتغيرات ، ليس بالضرورة بين الكتب وحسب ؛ بل أيضاً بين ألعابه وفي ردهات غرفته وأثناء مرافقته للنزهة أو التسوق ، لنتح لهم فرصة السؤال عن كل ما يرونه دوماً ؛ فإن لم يسألوا وجب علينا نحن استفزازهم بالأسئلة ، فلطالما كانت الأسئلة الوجبة الأكثر إشباعاً للبنية العقلية للمرء فما بالكم بالطفل الذي تتسم مرحلته العمرية بسمات التطلع والشراهة في الاكتشاف ؛ ولنتح لهم كذلك خوض التجارب المناسبة لأعمارهم ففيها المغامرة وتعلم الفشل ، فأثر التجربة على القناعة الذاتية للطفل ملموسة وبالإمكان قياس تبعاتها الإيجابية على قراراته الخاصة فيما بعد صدقوني .. لاسيما وهو بعيد عن والديه .. فالطفل حينما يخرج من بيته إلى المجتمع بذهن مملوء بالتجارب لن تجد عنده صعوبة في تشرب كل القيم الجيدة ، لأن فكره حينها قد نال نصيبه من المفاهيم السليمة التي رسخت جراء خبراته وتجاربه ، عندها سيصبح – بإذن الله – في منأى عن مغبة اتباع الآخرين سيما من كان أضعف خبرة وأقل تجربة من أقرانه ، ولن يتمكن أي من كان التأثير عليه بسهولة ، لا عن طريق الإنترنت ولا من خلال معسكرات مشبوهة ، بل سيكون هو محور التأثير الإيجابي سواء في المدرسة أو في الشارع أو في الملعب أو في أي مكان آخر ، لكن حينما تهمل العائلة حساسية هذه المرحلة فإن الطفل حتماً سيصير كالأسفنجة الجافة التي تلقى في جوف حوض مملوء بالماء فلا تملك من أمرها شيئاً غير الشروع في الامتصاص والتلقي فقط دون هوادة أو تفكير.
Twitter:@ad_alshihri

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *