دستور بولادة قيصرية
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبدالرحمن آل فرحان[/COLOR][/ALIGN]
ما كان يهمنا في تجربة مصر الديمقراطية هي نجاحها بغض النظر عن كنه الغالب والمغلوب طالما أن أجواء التجربة نقية وخالية من كل ما يعكر صفو نزاهتها ، وهذا ما كان يجب أن يشغل البال .. لا الانتماءات والمرجعيات والإيدلوجيات التي لا زالت طاغية على المشهد حتى هذه اللحظة . فجميعنا قد شهد كيف كان الصندوق الانتخابي يحسم المعارك الانتخابية بين الأحزاب المختلفة منذ شروع القوى السياسية في مرحلة بناء مؤسسات الدولة لمرحلة ما بعد الفترة الانتقالية ،وشهدنا كذلك كيف تم بناء تلك المؤسسات( البرلمان ، الشورى ، الرئاسة ، التأسيسية ..) وفق إرادة أكثر من 32 مليون ناخب مصري يمثلون كل أطياف اللون المصري وبتكلفة قدرت بقرابة 4 مليارات جنيه ، طبعاً من خزينة الدولة وكلنا يعلم مدى وحجم التوقيت الحرج للدولة من أجل أن تتمكن من إنفاق كل هذه المبالغ ، كل ذلك في سابقة ديمقراطية لم يسبق لها عهد في التاريخ المصري ، وهذا بحد ذاته مثار إعجاب وافتخار ليس لمصر وحدها بل لكل المنطقة العربية ، فمصر تتنفس وتتذوق وتلذ بالتعددية والحرية والنظم المؤسساتية مثلها مثل أكثر البلدان تقدماً ومدنية في هذا العالم سيما بعد حقبة تاريخية موغلة في الكبت والاستبداد ، لكن وبكل أسف .. هناك من يسعى للإطاحة بالتجربة الديمقراطية برمتها وإعادة الدولة إلى الوراء ولا أبالغ إن قلت إلى ما قبل الثورة وعلى رأسها المحكمة الدستورية ، فالمتأمل لأدائها وهي تتعامل مع فرحة مكاسب المؤسسات الانتخابية ذات الاعتبار التشريعي يدرك مدى حرصها على وأد تلك الفرحة في مهدها ، المحكمة الدستورية لا زالت شاخصة منذ العهد المباركي وحتى اليوم دونما أن تمسها العاصفة الثورية ، لعلها رسالة شعبية لمدى احترام الشعب لهذه المؤسسة القضائية ، لكنها جابهت هذه الثقة الشعبية بتعمد هدم المؤسسات الشعبية المنتخبة الواحدة تلو الأخرى دونما اعتبار لما اكتسبته تلك المؤسسات من شرعية على يد الشعب . والمحزن أن تتخلى المحكمة عن دورها القضائي لتتورط في حسابات أقرب ما تكون في وصفها حسابات سياسية محضة ، فإن كان هناك من جهات تتحمل مسؤولية تأزم الشارع المصري وانقسامه فلا أقل من أن تكون المحكمة الدستورية على رأس القائمة ، والرئيس مرسي على ما يبدو استطاع قراءة المشهد وفهم معطياته ما دفعه ليتجرأ في تجاوزه الدستوري بقراراته التي تم التعامل معها من قبل الإعلام على أنها بؤرة الأزمة المصرية متجاهلة ما أحدثته قرارات المحكمة الدستورية من تصدعات في بنية العملية الديمقراطية ، صحيح أن هذا الإعلان كان بمثابة التدخل القيصري لاستيلاد النص الدستوري ، إلا أنه ضرورة حتمية للدفع بالمرحلة والخروج من هذا المنعطف خاصة بعدما أصبحت لجنة كتابة الدستور والشورى تحت مقصلة الحل في أروقة المحكمة الدستورية ، وأصبح الكثير من المعارضين في مواقع التواصل الاجتماعي يستبقون الحكم الدستوري بمنشورات وتغريدات تتحدث عن جبهة الإنقاذ الوطني وعودة الانتخابات وغيرها ، بمعنى العودة من جديد لمرحلة الصفر . فهل كان المطلوب من الرئيس مرسي وهو يرى هذا السيناريو أن يقف مكتوف الأيدي تاركاً الساحة لعواطف المنهزمين أن تعصف بمكاسب الصناديق الانتخابية ، أم كان عليه واجب حمايتها وتأمينها لتعبر السفينة من ضيق تصفية الحسابات إلى فضاءات ما بعد المرحلة الانتقالية ؟ في اعتقادي أنه اتخذ القرار الأكثر حاجة ليس في تاريخ المرحلة بل في تاريخ الدولة المرتقبة ، وأجزم أن لو كان مكانه أحد القيادات الأخرى من القوى المنهزمة لاتخذ ذات القرارات في ذات الظروف ، فالأهم هو حماية شرعية المؤسسات التي تشكلت وفق الإرادة الثورية والشعبية وليس بفرض واقع سياسي وفق انطباعات شخصية لا تمت للعبة الديمقراطية بقشة من صلة .
twitter: @ad_alshihri
التصنيف: