لا تتشكل السلوكيات الملتزمة القويمة في الإنسان إلا بممارسة واعتياد وقناعة وتربية، بغض النظر عن المكانة الوظيفية التي وصل إليها هذا الإنسان. تبينت ذلك من خلال واقعة أحكيها لكم بتفاصيلها: فقد كنت أعبر مدخل البرج الذي فيه مكتبي، وإذا برجل من المقيمين يرتدي حلة مرتبة – أي إن شكله لا يدل على أنه عامل أو موظف بسيط – ويحمل كيساً به بقايا نفايات طعام وحلوى، وما إن دخل البرج حتى ألقى ما يحمله على الأرض، دون اكتراث بنظافة المكان، ودون اهتمام بالناس الذين يدخلون إلى جانبه، على الرغم من أن حاوية القمامة كانت على مقربة منه، ولكنه لم يكلف نفسه التخلص من هذه النفايات بطريقة سليمة، وتعمد أن يلقي ما يحمله وكأنه يحتقر الداخلين والخارجين، أو كأنه تعوّد هذا السلوك غير الحضاري وغير المنضبط بيئياً.
ووجدت نفسي تلقائياً أستوقفه وأطلب منه أن يرفع نفاياته بنفسه، وشاركني في ذلك كل الذين رأوه، ولكنه نظر إليّ بعجرفة وهو يقول إن العمال سوف ينظفون المكان، ولكنني أصررت على موقفي وقلت له بجفاء وقسوة: لا!! لن تغادر إلا إذا رفعت هذه القمامة، لن أسمح لك بأن تلوث بلدي كما اعتدت أن تلوث بلدك، حافظ على نظافة المكان كما تراه نظيفاً ورائعاً في نظافته، علك تتعود أن تخدم بيئة المكان الذي تعيش فيه.
وأمام هذا الإصرار خجل من نفسه أو خاف من إصراري -لا أعرف أيهما كان الأقوى- فقام برفع القمامة التي ألقاها على أرضية الرخام اللامع الجميل، وألقاها في الحاوية التي كان يعرف مكانها وكانت في الحقيقة أمام عينيه، وحدث ذلك وسط ترحيب كل الموجودين وإعجابهم بما فعلت، وجميعهم وافدون، وأيدوني واحتقروا في الرجل سلوكه غير المنضبط. فلو أننا في أي مكان سواء في أماكن العمل أو الحدائق العامة أو حتى في الطريق العام، أوقفنا المسيء للبيئة وطالبناه بأن يصلح ما أفسده بسلوكه غير المنضبط، لتعلم من لم يتعلم أن النظافة ضرورة وإيمان وبيئة سليمة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *