خلق سعته كنوز الأرزاق

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]حجاج بوخضور[/COLOR][/ALIGN]

أملك الناس لأمره، يجنب نفسه ذل السؤال، وأكرم الشرفاء عزا بالعطاء، يضئ بنوره سجل الأبرار الأصفياء، ويغري بالتسامح ألفة بين الفرقاء، ويولع بالجود نبراس الكرماء، تجده في الحق يصول بلا ضغن ولا بغضاء، ويتنازل عن حظ نفسه باباء، ويقوم بواجبه صدقا وبالخفاء، فلا يهتم بثناء، ولا ينتظر ثمن الجزاء، ويشكر الإله بطول الحمد والدعاء، والولاة بصدق الولاء، والنظير بحسن الاجراء، والدنيء بالترفع والارتقاء، وعفته جيش يهزم المغريات، يكره الرياسة والزعامات، وصورته من التضحية المبرأة من الآفات، المنزهة عن انتظار المكافآت، فينسى نفسه ويذكرك، ويؤخر مصلحته لينفعك، ويشتت فيك شمله ليجمعك، ولا يشن وجه العفو بتأنيبك، ويسدد ويقارب برأي رفيق، وبوجه طليق، يلوح لك كالنجم المضيء، على صفحات الماء، وهو متواضع رفيع.
بوتقة اخلاقية، تصوغ وتصقل الشمائل والمناقب باجلال، فترسل ضياءها قدوة عبر مآتي الازمان، وخلق من أعلى درجات السمو في نفوس الأنام، فيه يقترب المرء رقيا من الملائكة، ويتوج المروءة بشمائله السامية، ومن تمثل به، اقبل على نفسه واستكمل فضائلها، وأصبح بين الناس أطهرهم أعراقا، وأشرفهم بمحموده انسابا، ووفد طبعه المكدود بالجد والمرح، بمقدار ما يعطى الطعام من الحلو والملح، وكتب سيرته بمسك وختمها بعنبر.
لكل شيء زينة في الورى، وزينة انكار الذات في النفس تمام الأدب، ومصائد الشرف، والناس يختلفون في طريقة التعامل مع النفس، فمنهم من يفهم طبيعتها وميولها وتطلعاتها، فيأتيها من أحب الأبواب إليها، فيهذبها ويحسن قيادتها حتى تنساق معه الى المعالي والعلياء، ليعيش مع الخالق بغير خلق، ومع الخلق بغير نفس، فالمنكرون لذواتهم هم أعلى الناس قيمة، وأرفعهم قدرا، ومتى ظل الانسان على رياضة نفسه، ملك زمامها وتحكم في اتجاهها، حتى يصل بها الى انكار الذات، ومن الناس من لا يفهم شيئا عن نفسه، ولكنه يخاف عثراتها وتقلبها، وحينما يرى تمردها يناصبها العداء، ويعاندها في كل ما تختاره له، وما تدله عليه، وهؤلاء غالبهم الزهاد، ولعل أكثر مثل يوضح لنا انكار الذات تجليا، نجده في تعامل الأم مع أولادها.
عندما نستعرض واقع التاريخ، نجد أن الذين عبّدوا طرق الصلاح، هم الذي دفعهم انكار الذات الى تحقيق ذلك النجاح، وتطوير مجتمعهم للرقي والازدهار، بينما نرى حب الذات، هو الذي اركب القادة والسياسيين الشطط، ففسدوا وافسدوا مجتمعهم، لأن حب الذات رأس الأخلاق الذميمة، فالجبن والبخل والانتهازية، والانانية والحسد والحقد، وكل صفة دنيئة، هي آثار حب الذات، فالذي يعبد ذاته، يستغل بانتهازية كل فرصة مشروعة وغير مشروعة، لاكتساب منفعة خاصة، لأنه يرى شخصه ولا يرى غيره، وهذا أهم أسباب اي تفكك اجتماعي.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *