خالة عزيزة والأزمة الاقتصادية

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د.عائشة نتو[/COLOR][/ALIGN]

تتمتع خالة عزيزة بشخصية تتجسد فيها ألوان المثابرة لعمل المرأة، و(يتواءم) فيها العجب والإعجاب معاً لدى من عرفها أو عرف عنها شيئاً!
أما العجب فهو إصرارها على العمل خارج قرار120 الذي يتيح فرص العمل للمرأة في القطاع الخاص، وداخل أسوار نفسها المثقلة بالمرارة من مرض ابنها بالسرطان.
بالفطرة، وبظلال من خبرتها البسيطة في الاقتصاد، شخّصت خالة عزيزة أن اقتصادنا بخير وقالت طمأني ملك البلاد خادم الحرمين الشريفين بأن البلد بخير، لم تسمع خالة عزيزة بالنظريات الاقتصادية أو السياسية. فقط تركض لتصوير الجوازات والإقامات وتسدد الرسوم الحكومية لزبائنها من جوال تعلقه خوفا من ضياعه.
إذا فتحت دفتر خالة عزيزة…تجدها امرأة على مشارف الستين، بوجهها سمرة الأرض، تخايلك نماذج لنساء من بلادي قهرن الفقر، وتعلمن التعايش مع الحياة بعرق الجبين، وشرف الكلمة والروح، وبقناعة ورضا لا تشوبهما حسابات الربح والخسارة.
تبدأ خاله عزيزة يومها في السابعة صباحاً. تعدّ وجبة الإفطار لولدها المُقعَد المريض بالسرطان الذي تحمل صورته في جوالها. ثم تهرع إلى مكتب التعقيب قرب جوازات جدة، لا يعرف مكتبها الجدران ولا الأبواب ولا الشبابيك، إنه مجرد كائن جوّال، يحلق بحيوية في فضاء مفتوح. يظللها مفرش من القماش الثقيل، ومكينة تصوير، وماء ساخن لعمل ألشاي وماء بارد تبيعه للمراجعين، ومظلة للوقاية من حرارة شمس أغسطس.
تتسلم من المراجعين الجوازات والإقامة وتركض إلى الداخل لقسم النساء في الجوازات لعمل استشارة سريعة لحل بعض الإشكاليات في معاملة المراجع. وقبل نهاية الدوام تحرص جاهدة لرفع الدخل اليومي بتنظيم الفرشة وتقول:\”أنا وابني ومحنة مرضه نعيش في بيت واحد وأسعى لسد حاجاتنا، وقد زارني مندوب عبد اللطيف جميل ليمنحني قرض لعمل عربة متحركة وسأسدد القرض بمبلغ500 ريال شهرياً\”.
حرمان خالة عزيزة من التعليم، ومحنة مرض ابنها، وشظف العيش، كل ذلك زادها إصراراً على العمل الحر. تقول بمسحة من الاعتزاز:\”مورد أجهزة التصوير ورد لي الجهاز بالتقسيط، لقد وثق في عملي\”.
هذه المفردات البسيطة إلى حد التقشّف والزهد لا تصادر حق خالة عزيزة في الحلم بمحل صغير، وبكرسي مريح بدلاً من كرسي الجريد الذي تجلس عليه نحو 8 ساعات يوميا.
محتفظة بابتسامتها القنوع المرحة ووقارها الرصين، تقول خالة عزيزة: \”نفسي حتى في كشك صغَّير مكيف، أفضل من قَعْدة الشارع…وهو برضه يحميني من الشمس\”. تتفحص قسمات وجهها الذي يعكس مقدرتها على التشبث بالحلم، وأن المرأة في بلادي يمكنها أن تصنع شيئاً مهما كانت العراقيل التي تواجهها.
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *