حين تقرأ «ربة البيت»
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]لطيفة خالد [/COLOR][/ALIGN]
أخرج غالبا للأماكن التي أحتاج فيها لانتظار طويل متأبطة أحد كتبي، ولطالما لاحظت نظرات الاستغراب، وكثيرا ما يوجه إلى سؤال حول عملي وتخصصي، وبالطبع يمكنك أن تفهم المعنى الذي يحمله مثل هذا السؤال حين تعرف أن الدهشة والاستغراب هي السمة الوحيدة التي ترتسم على وجه السائل عندما أجيب بأنني ربة بيت وأن قراءتي حرة وليست مرتبطة بدراسة أو مهمة وظيفية، بل إن أحدهم لم يجد غضاضة في أن يعلق باستغراب شديد: \”ربة بيت وتقرئين؟!\” مع العلم أن معظم هؤلاء أطباء متخصصون وبعضهم مواكب لآخر التطورات في تخصصه ومطلع.
كثير منا يجد هذا السلوك طبيعيا ولا شيء فيه يثير الاستغراب فضلا عن أن يكتب حوله مقالا، وهو بلا شك طبيعي باعتبار مستوى التخلف الذي نعيشه في مجتمعاتنا العربية، ذلك التخلف الذي تكرسه تصورات وممارسات راسخة في وجدان الإنسان العربي منذ خطوات الاكتشاف الأولى للطفل العربي حتى إنهائه لدراسته النظامية.وحتى تلك المحاولات الهشة لتكريس ثقافة التعليم المستمر والتي انتشرت في الآونة الأخيرة وأقيمت لأجلها المؤتمرات والمنتديات، فإنها لا تخرج من نطاق الصورة الراسخة في الوجدان العربي من كونه وسيلة أخرى لتدريب الإنسان لمزيد من الاستهلاك في سوق العمل وليس للارتقاء بالإنسان والارتقاء بفكره ونظرته للحياة.
والحقيقة أن هذا لا يستغرب عندما لا يزال التعليم عندنا بالمستوى الذي تحدث عنه الدكتور مصطفى حجازي في كتابه التخلف الاجتماعي \”مازال التعليم في مختلف مراحله وبشكل إجمالي، سطحيا في معظم البلدان العربية في طرقه ومحتوياته، طرق التعليم مازالت تلقينية إجمالا تذهب في اتجاه واحد من المعلم الذي يعرف كل شيء ويقوم بالدور النشط إلى التلميذ الذي يجهل كل شيء ويفرض عليه دور التلقي الفاتر دون أن يناقش أو يشارك أو يمارس، دون أن يعمل فكره فيما يلقن\” ويزداد الأمر سوءا عندما يفقد التلميذ علاقته بالكتاب بما هو أول وأكثر وسائل التعليم سهولة وشيوعا واستمرارية.
لقد تركت هذه الطريقة في التعليم بالإضافة للتصورات المتخلفة التي نغرسها في عقول أبنائنا بوعي وبدون وعي حول الكتب والقراءة، وأنها أمور مرتبطة بالدراسة النظامية وأن من يتعلق بها ويمارسها غريب الأطوار.. الخ تلك التصورات التي تربينا نحن عليها وورثناها لأبنائنا، كل هذا خلق علاقة منبَتـّة ومنقطعة بيننا وبين فكرة التعليم المستمر والكتاب والقراءة الحرة والتي تعتبر أكثر الطرق إتاحة لاستمرار التطور الشخصي والنمو الفكري للإنسان.يتحدث كل من الدكتور إبراهيم بدران والدكتورة سلوى الخماش في كتابهما (دراسات في العقلية العربية) عن أثر وقيمة العلم بالنسبة لهذه العقلية \”إن العلم لا يشكل بالنسبة للعقل المتخلف أكثر من قشرة خارجية رقيقة يمكن أن تتساقط إذا تعرض هذا العقل للاهتزاز.
إن العلم مازال في ممارسة الكثيرين لا يعدو أن يكون قميصا أو معطفا يلبسه حين يقرأ كتابا أو يدخل مختبرا أو يلقي محاضرة ويخلعه في سائر الأوقات\”وهكذا نحن مهما كان تخصص أحدنا ومهما كان إتقانه لتخصصه وقدرته على العطاء فيه فهو يظل بالنسبة له مجرد وظيفة يؤديها وقراءاته حولها وفيها لا تعدو عن أن تكون محاولة للتطور الوظيفي لتحسين الحياة في جانبها المادي الاقتصادي، فتجده قادرا على الإبهار في أدائه لعمله ولكنه غير قادر البتـّة و يهتز اهتزازا مريعا لأدنى مشكلة تواجهه في حياته الشخصية فهو غير قادر على رؤية الأمور بصورة عقلية موضوعية كما هو حاله في وظيفته وعمله بل تطغى انفعالاته وعاطفته ويختل توازنه العقلي ويبدو في مستواه العقلي الاجتماعي والنفسي كطفل الصف الأول حين يتركه أهله بنفسه في مواجهة عالم جديد يراه ويكتشفه لأول مرة بدون حماية أو توجيه من والديه.
لقد دخل مالكوم أكس السجن وهو ليس أكثر من مجرد مجرم مدمن مخدرات تائه وخرج منها بعد حوالي أربع سنوات وقد التهم معظم كتب مكتبة السجن وكان يقول عن نفسه: تعلمت في السجن أكثر مما يمكن أن أتعلمه في الجامعات وقد أصبح أحد أهم رموز شعبه، وعندما يصبح التعلم الذاتي والمستمر من خلال القراءة والتأمل المحفز للوعي جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية فنتحرر من كثير من قناعاتنا المتخلفة وتصوراتنا المتحيزة عندها فقط يمكننا أن نحظى بالحرية الحقيقية والقدرة على التحكم أكثر بمصائرنا كما فعلت \”اقرأ\” الأولى بأسلافنا.
التصنيف: