حكمة الله في آية: لكل ظالم نهاية

Avatar

محمد بشير علي كردي

رشا قلقة ومضطربة تبحث عن طبيب نفساني في مدريد له خبرة في علاج مواطني المشرق العربي من الانهيارات العصبية.
فقريب لوالدتها ممن أبعدهم الصهاينة عن مسقط رأسهم في فلسطين يمر بأزمة نفسية حادة أشد من الحالات السابقة التي كان يمر بها عند مطلع كل شهر يونيه من كل عام ومنذ حرب 1967. ففي السابق كان ينقطع عن زيارة الأصدقاء وقبول دعواتهم طيلة شهر يونيه الذي يتفرغ فيه لقراءة الجديد من كتب التاريخ والسياسة وكل ما كتب عن الحرب التي يسمونها بحرب الساعات الست أو حرب الأيام الستة أو السبعة، فهو لا يذكر بالضبط إن كانت الهزيمة قد حصلت في ساعات أو في أيام، وكل ما يراه ويعتقده أنها بدأت من قبل يونيه 67 ولا تزال مستمرة حتى اليوم وإلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، وكان يتخلص من الأزمة مع حلول أكتوبر.
أما في هذه المرة، ومن الأيام الأولى لشهر يونيه، أخذت تطفح على وجهه سمات المرض، وجافاه النوم، فهجر غرفة نومه واحتل كنبة غرفة المكتبة يغفو عليها من وقت لآخر ولدقائق قليلة، وأخذت حرارته بالتأرجح مابين الثمانية والثلاثين والأربعون درجة، وارتفع ضغط دمه العالي إلى ما فوق الست عشرة درجة، فأفقده ذلك القدرة على التوازن، وفقد الرغبة في الطعام والشراب اللهم إلا من ماء يرطب حلقه، ناهيك عن رفضه مقابلة أي زائر، أو الرد على المكالمات التلفونية، ورفضه وبإصرار زيارة طبيب لتشخيص حالته، فهو كما يدعي طبيب نفسه ويعرف كيف يتخلص من حالته ولكن في الوقت المناسب الذي يراه، والذي زاد من قلق رشا ووالديها هذيانه من وقت لآخر ببيت شعر يقول:
\”ولقد سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أباً لك يسأم\”.
وأنها في هذا المساء اقتحمت عليه غرفة مكتبه وسألته عن بيت الشعر الذي دأب على ترديده كلما غلبه النوم، ومن قائله، فأستغرب سؤالها لاعتقاده بأنه كان يردده فكرا وليس صوتا، وبعد إصرارها أجابها بأنه للشاعر زهير بن أبي سلمى، من شعراء الجاهلية وحكمائها، عَمّْرَ لما بعد دخول الإسلام، ويبدو أن ما لقيه الشاعر في عمره الذي قارب أو ناهز المائة عام قد سبب له الملل والضجر، وتفضيل الموت على الحياة. وأنه يرى ذاته في ذلك البيت من الشعر، فقد طال به العمر كما يقول، وضجر من عاديات الزمن، وفقد الأمل في الصلاة بالقرب من المسجد الأقصى وقد فك أسره، وفي العودة إلى بيت آبائه وأجداده ليعيد إليه ما اقتلع من حديقته من زرع وشجر، وأنه بعد المعاناة الطويلة ونذالة وحقارة المتاجرين بالقضية لم تعد تقنعه الجهود التي يُعْلَنْ عنها لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، فما هي إلا مخدر للأمة حتى تتهود فلسطين بالكامل، وأن خطب ومقالات الشجب والاستنكار والتنديد لم و لن تفلح في إيقاف المغتصب عند حده وإرغامه على العودة من حيث أتى، وكأنه كتب على أمته أن تدفع فاتورة اضطهاد ألمانيا النازية لليهود، إن صحت مزاعم الصهاينة، وأن يعيش الغرب في رفاهية وتعيش أمته ما بين مشرد وسجين.
لقد سئم الحياة واستعجل الرحيل، ويردد بصوت مرتجف: اتركوني وشأني، اتركوني لرحمة ربي وقدره، يعود بعدها إلى إغفاءة غير مطمئنة. وتعود رشا تبحث عن طبيب نفسي يساعد قريبها على استعادة ثقته بنفسه، فقد عرفت عنه من والديها إيمانه بأن الله يمهل ولا يهمل، وأن حكمة الله في آية \”لكل ظالم نهاية\”، وأنها تسعى لشفائه ليرى صحوة العديدين من شرفاء الغرب وأمريكا وهم يرفعون الصوت مطالبين حكوماتهم أن تراجع حساباتها لتعرف من تسبب في الأزمة الاقتصادية العالمية التي لم تترك أحدا من شرورها فتوقفه عند حده، وأن تراجع سياستها في العالمين العربي والإسلامي لتعرف أين مصالحها وخير شعوبها.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *