حق الأموات على الأحياء
نبيه بن مراد العطرجي
إِن لِكل بِدَاية نِهَاية ، ولِكُل قُوة ضُعفاً ، ولِكُل حَياة مَوْتاً ، فَالموتْ سُنة إِلهية كَتبهَا الخَالِق عَلى جَميع مَخلوقَاتِه مِن الثَقلَينْ ، وقَد أوْجَد الله البرَكة في كُل شَيء إِلا في الأَجَل فَإِنه مُؤَقت لوَفاء العُدة وانقِضاء المدَة ، فَهو هَادِم اللَذَات ، ومُفَرق الجَماعَات ، فنَبأ الموْت عظِيم ، ومُصاب النَاس بِه في ذَويهم جَسيم ، والمرء الذي لا يَضعْ الموت نَصْب عَينيه لا يَستطِيع أنْ يُصلح أمُور دِينِه ودُنيَاه ، وكَما للإنْسَان في حَياتِه الدُنيا حُقوق أكْرمه الموْلى بِها ليعِيش في كَرامة \”وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً\” فَإن بَعد الموتْ لَه حُقوق يَنبغِي عَلى الأحْياء أنْ يَقومُوا بِفعْلهَا لَه ، وأنْ يحفَظُوها ولا يُضيعُوهَا ، وأن يؤدُوهَا ولا ينْسُوهَا ، وقَد كَان المصْطَفى عَليه الصَلاة والسَلامْ يَخرجْ في جَوف اللَيلْ الأظْلَم إلى بَقِيع الغَرقْد يَتذكرْ الآخِرة ، ويَترحَمْ عَلى أموَاتْ المسلِمينْ ، فَكم مِن مَيت في قَبْره يَنتظِر مِن أَخيه المسْلم أنْ يَترحَم عَليه ، ويَدعُو رَبه أنْ يوَسِع مُدْخله ، فَما أحْوَج الأمْوات إلى دُعاءْ الأحْيَاء ، ومَا أحْوج الأحَياء أنْ يَتذكَرُوا الأمْوات ، وقَد كَان السَلفْ الصَالحْ رِضوَان الله عَليهِم يَدعونَ للأَمواتْ ، وَيسأَلونَ لهُمْ الرَحمة والغُفْرَان ، والعِتْق مِن النِيران \”وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ\” وقَد نَبه الشَارِع بوصُول ثَوابْ الصَدقة عَلى وصُول سَائِر العِبَادات المالِية ، فَعنْ سَعد بِن عُباده رَضي الله عَنهُم قَال يَا رَسول الله : تُوفيَتْ أُمِي وأَنا غَائِب عَنها , أَينفَعها شَيء إِن تَصدقْت بِه عَنهَا , قَال نَعمْ\” ونَبه بوصُول ثَوابْ الصَومْ عَلى وصُولْ سَائِر العِبادَات البَدنِية جَاء فِي الصَحيين أنَ رَسول الله عَليه الصَلاة والسَلامْ قَالْ : \”مَن مَات وعَليهْ صِيامْ صَام عَنه وَليهْ\” وَأخْبَر بِوصُولْ ثَوابْ الحَجْ المركَبْ مِن المالِية والبَدنية ، فَعن إبْن عَباس رَضي الله عَنهُما قَال : \”جَاء رَجُل إلَى النَبي صَلى الله عَليه وسَلمْ فَقالْ : أَحِج عَن أَبي ؟ قَال : نَعمْ حِج عَن أَبيكْ فَإنْ لمْ تَزده خَيراً لمْ تَزده شَراً\” فَالأنْواع الثلَاثَة ثَابِتة بِالنَص والإِعْتبَارْ ، والإسْتِغفاَر للأمَواتْ مِن الأعْمال التِي يَصلْ ثَوابهَا للمَيتْ قَال رسُول الله صَلى الله عَليه وسَلم : \”إِن الرَجل لَتُرفع دَرجتُه فِي الجَنةْ فَيقُول أَنى لِي هَذا ! فَيقالْ : بِإستغْفَار وَلدكْ لَكْ\” كَمَا يُستَحب زِيارَة القُبور لإِدخَال السُرورْ للمَوتَى ، وَقدْ أمَر عَليْه الصَلاة والسَلامْ بِالسَلامْ عَليْهم ، وَكان مَما يَقُوله إذَا زَار قُبورَهُم [ السَلام عَليكُم أهَل الدّيَار مِن المؤْمنِين والمسْلمِين ، وإنّا إنْ شَاء اللّه بِكمْ لاحِقُون ] قَال إبْن القيّم رَحمه الله فِي كِتَابه الرُوحْ – وَهذَا خِطاب لِمن يَسمَع ويُعقِل ، وَلوْلا ذَلك لَكان هَذا الخِطاب بِمنْزلة خِطاب المعْدُوم والجماد – والسّلف مجمعُون عَلى هَذا ، وَقد تَواتَرتْ الآثَار بأنّ الميّت يَعرفْ زِيارة الحيّ لَه ويَستبْشِر بِه ، فَعن عَائِشة رَضي الله عَنهَا أَنهَا قَالتْ : قَال رسُول الله صَلى الله عَليه وسَلم : \”مَا مِن رَجل يَزور قَبر أخِيه ويجلِسْ عِنده إِلا أسْتَأنَس بِه وَرد عَليه حَتى يَقومْ\” وَعنْ عَبد الله إبْن العَباس رَضي الله عَنهُما قَال : سَمعتْ النَبي عَليه الصَلاة والسَلامْ يقُول : \”مَا مِن أحَدْ يمُر بِقبْر الرَجل الذِي كَان يَعرِفه فِي الدُنيا فَيسَلمْ عَليْه إِلا عَرفَه وَرد عَليه السَلامْ\” فَهذه بَعضْ حُقوقْ الأَمْوات عَلى الأحْياء ، فَهلْ مِن مُذكِرْ .حديث : عَن أبِي هُريرَة رَضي الله عَنه أنَهُ قَال : قَال رَسُول الله صَلى الله عَليه وَسَلمْ : \”إِذا مَاتْ إِبنْ آدم أَنقَطعْ عَمله إِلا مِنْ ثَلاثْ ، صَدقة جَارية ، أو عِلم يُنتفَع بِه ، أو وَلد صَالحْ يَدعُو لَه\” .دُعاء : اللهُمَ أَغفِر للمُؤمنِينَ والمؤمِنَاتْ ، والمسُلمِينَ والمسُلمَاتْ ، الأحَياءْ مِنهُمْ والأَموَاتْ .
وَمَن أصْدَق مِن الله قِيلاً \” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ\”.
[email protected]
التصنيف: