فيصل علي سليمان الدابي
أراد أن يقول لخطيبته: الجنس اللطيف هو لتلطيف الأجواء وإنجاب الذرية ولا حظ له في مجالات الفكر والإدارة المحتكرة للجنس الخشن منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا، فأشهر المكتشفين، المخترعين، الأدباء، المغنين، الموسيقيين، قادة الجيوش، الزعماء السياسيين وحتى الطباخين ومبتكري الموضة وتسريحات الشعر هم من الرجال فقط لا غير، ومهما اجتهدت المرأة في التشبه بالرجل فإنها لن تصبح رجلاً ولن تعود امرأة بل ستتحول إلى جنس ثالث عديم الملامح والصفات! لكنه سمع نفسه يقول لها: المرأة لا تتساوى مع الرجل فحسب بل تتفوق عليه في بعض المجالات، قطاع الصناعات الإلكترونية في اليابان يقوم على أكتاف المرأة اليابانية لأن الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة هو امتياز أنثوي لا يتوفر لدى الرجل في الغالب الأعم، هناك حقيقة أخرى وهي أن معظم أطباء العالم من النساء، ويكفي النساء فخرًا أن الإناث يتصدرن المراكز الأولى في الدراسات العلمية منذ عقود طويلة ولا يملك الذكور إلا أن يقروا بهزيمتهم في ميدان الفهم والتطبيق!.
أراد أن يقول لرئيسه المباشر: أنت لا تفقه شيئًا في الإدارة، الإدارة علم وفن يحتاجان إلى دراسة وتجريب، الإدارة الناجحة تعني القدرة على إصدار القرارات الميدانية الصحيحة في التوقيت الملائم بعد أخذ الاستشارات العلمية المناسبة وتعني تفويض الموظفين بالصلاحيات لاستثارة رغبتهم في العمل وتعني تفعيل نظام المكآفات والجزاءات، أما أنت فلا تتقن شيئًا سوى اتخاذ القرارات العشوائية واحتكار كل الصلاحيات واستخدام المزاجية والهوى في عملية الترقيات! لكنه سمع نفسه يقول له: أنت أفضل مدير على الإطلاق لأنك الأسرع في اتخاذ القرارات الممتازة والأقدر على ممارسة كل الصلاحيات بمهارة بالغة، ومثلك لا يحتاج للجان متخصصة لتقييم مهارات الموظفين بل يمكنك تمييز الموظف الصالح من الطالح باستخدام فراستك التي لا تخيب أبدًا!.
أراد أن يقول لنفسه: أنت مجرد مخلوق منافق، تُظهر دائمًا خلاف ما تُبطن، أنت شيطان أخرس لأنك تسكت دائمًا عن قول الحق خوفًا على مصالحك الخاصة، أنت مجرد إمعة تدب في موكب الإمعات فلا تقول إلا ما يجب أن يُقال ولا تُشاهد إلا ما يُسمح لك بمشاهدته، أنت مجرد من استقلالية الفكر وحرية الشعور ولا تتمتع بأي قدر من الاحترام الداخلي لنفسك المتمرغة في وحول التبعية والنفاق! لكنه سمع نفسه يقول لنفسه: \”برافو\” أنت تتمتع بقدر كبير من الدبلوماسية الشخصية، وهذا المسلك ليس نقطة ضعف بل هو من أقوى نقاط قوتك، فإذا لم تُتقن فن المجاملات وتُرضي الآخرين ولو على حساب الحقيقة فسوف تفقد خطيبتك وعملك وربما تفقد عقلك نفسه في نهاية المطاف، ما الحكمة من محاولة معالجة الجزئيات الناقصة إذا كانت اللوحة الكلية تعاني من خلل طبيعي واضح؟! ثم لماذا التمسك بما يُسمى بالحقيقة مع أنه لا تُوجد حقائق ثابتة فحتى الحقائق العلمية تتغير من وقت لآخر ولا يكاد أي إنسان يدرك أي حقيقة إلا إدراكًا ناقصًا لأنه ينظر إليها من زاوية واحدة فقط؟! لا تلتفت أبدًا للمقولات والفلسفات المثالية، ثبت أقدامك على أرض الواقع كما كنت تفعل دائمًا ولا تقل شيئًا أو تفعل فعلاً إلا إذا كان محققًا لمصلحتك الشخصية وتذكر دائمًا أن الغاية تبرر الوسيلة، كن كما يشاء الآخرون ولا نامت أعين المختلين عقليًا المتمسكين بأهداف الفضائل الوهمية التي لا وجود لها إلا في مرابع الخيال!.
كاتب قطرى

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *