حتى لا تصبح سوريا أفغانستان جديدة
لما احتل الاتحاد السوفيتي افغانستان تنادى المسلمون للجهاد ليخلصوا بلداً مسلماً من احتلال بغيض، وساعد على ذلك تأييد كثير من العلماء لهذا الجهاد، رغم انه معلوم بالضرورة في الدين ان الجهاد الفريضة لا يكون الا تحت راية لدولة مسلمة قائمة اعتدى عليها فترد العدوان عليها وتستعين باخوانها من كل اجزاء الدول الاسلامية لرد عدوان سافر عليها، ولم يكن الحال آنذاك كذلك. فدولة افغانستان ثار فيها الجيش على النظام الملكي ولما احس ان القبائل لم ترفض حكمه، استعان بالاتحاد السوفيتي، فدخل الجيش السوفيتي افغانستان، وكانت الحرب الباردة على اشدها بين الشرق والغرب، فكان من مصلحة الغرب ان يهزم الاتحاد السوفيتي على ارض افغانستان لا بجيوشه بل بأيدي المسلمين المتحمسين لاستنقاذ بلد مسلم من احتلال اجنبي، واستمرت الحرب سنوات على شكل حرب عصابات، يتولى فيها القتال جماعات من اهل البلاد قبلية كانت او من تيارات متعددة تسمى نفسها الاسلامية، واصبح للعرب مقاتلين سُمُوا فيما بعد العرب الافغان، وحشد لذلك دعاة صوروا الحرب لصغار السن انها الطريق الى الجنة، حتى ان احدهم كتب عن كرامات المقاتلين العرب، التي يدعي انه شاهدها وانطلق الشباب من كل دولنا العربية للقتال في افغانستان، حتى انهار جيش الاحتلال ورحل فبدأت جولة جديدة من قتال عبثي، نرى له اليوم صورة في سوريا بعد ان احتشد فيها جماعات كثيرة تدعي انها الاسلامية وترتكب من الفظائع في حق الجميع سكاناً ومقاتلين، مع ما يقوم به النظام السوري من ابشع الفظائع فاذا سوريا حطاماً، واذا السوريين لاجئين في كل دول العالم، واليوم عندما قرر الروس ان يدخلوا لعبة الحرب في سوريا، نرى ارهاصات ما حدث قبل الجهاد الافغاني المزعوم، فها هي بيانات تعلن وتوزع وتطالب بجهاد في سوريا، وحتماً لن تتحرر سوريا من هذا البلاء بشباب يجند للقتال فيها، وهم اصلا مدنيون لا يعرفون عن اساليب القتال شيئاً. وان دربوا تحولوا لهواة قتل يرجعون بعد انفضاض سامر الحرب الى بلدانهم ضلالا لا يعرفون حرفة سوى القتل بعد ان نظر لهم امثالهم بأن مجتمعاتنا العربية كلها ارتدت عن الدين واعادتها اليه لا تكون الا بجهاد يقومون به، وما تعانيه مجتمعاتنا العربية جلها اليوم من هؤلاء الذين وضعوا كل بؤرة صراع في هذه الدنيا ليقاتلوا فيقتل منهم من حل اجله، ويسجن منهم من يسجن، ويعود بعضهم الى وطنه وقد حمل معه ثقافة الموت التي لم يعرف سواها، وهذه الجماعات كلها التي تنتشر في بلادنا العربية والاسلامية وترتكب الفظائع مدرستها الاولى بؤر الصراع ومنظرون لثقافة الموت هم اجهل. يقودونهم الى الموت وان كان بينهم عالم فانما يسعى لغايات قذرة فيفقد مصداقيته كعالم ويتحول الى داع يقف على ابواب جهنم يقود اليها شبان الامة يدمر حياتهم فيدمرون اوطانهم.
ان لم نتنبه لهذا الخطر الجديد فسننتظر اجيالا متلاحقة من هؤلاء الارهابيين الذين لا يعرفون حرفة سوى القتال، ينشرون الرعب في كل مكان يصلون اليه، وبقي على دولنا العربية ان تنظر في هذا الامر بروية تحقق مصالح اوطاننا، ولا تخشى ما يقوله الجاهلون، الذين لا يجدون بؤرة صراع الا دفعوا المراهقين اليها وقودا لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وقد يكون للمنظرين مصالح جمة فيما يدعون اليه، فهل تفعل حكوماتنا ما يصد عنا هذا الخطر، هو ما ارجو والله ولي التوفيق.
ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 647043
التصنيف: