[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]خالد عوض العمري[/COLOR][/ALIGN]

حقيقتان ينبغي تقريرهما في بداية هذا المقال,الأولى أنّ الأمر الملكي الكريم بصرف إعانة البطالة كان واضحاً وصريحاً ولا يقبل التأويل والتفسير ولا المماحكة, وكل ما كان يحتاجه هذا الأمر هو الآلية البسيطة والطبيعية لتطبيقه على أرض الواقع فقط,والثانية أنّ كثيراً من المسؤولين التنفيذيين في القطاعات الحكومية يمارسون تلاعباً وتحايلاً في التعامل مع الأوامر الملكية الكريمة التي هدفها تلبية حاجات المواطن الضرورية حتى يصلوا بها إلى التفريغ الجزئي أو الكلي من مضمونها, مما يجعلها حسرةً على المواطن في الوقت الذي أرادها الملك عوناً وسروراً له.وما ينبغي التنبه له هنا هو أنّ مشكلة البطالة لم تنزل من السماء ولم يأت بها الغزو الفكري, فهي بسبب تقصير بعض الجهات الحكومية في القيام بواجبها المنوط بها,فما تثبته علوم الإدارة الحديثة أنّ البطالة تكون نتيجةً لفشل جهات حكومية, إمّا في خلق سوق العمل الديناميكي القادر على النمو والاستيعاب والتطور,وإمّا في خلق الكفاءات اللازمة والضرورية التي ينبغي توافرها في طالب العمل,والحقيقة أنّ فشل الأجهزة الحكومية لدينا فشلٌ مركّب,فهي لم تنجح في خلق سوق العمل الطبيعي الذي يملك في مكوناته الذاتية قدرةً على الاستيعاب والتطور ومقاومة عوامل الضغط الخارجية الطبيعية من زيادة الطلب على الوظائف وزيادة تكلفة التوظيف والتدريب والتعامل المحايد مع المنافسة الصحية بين القوى الطالبة للعمل,كما لم تنجح المنظومة التعليمة لدينا في خلق طالب العمل المؤهل والجاهز لخوض معمعة سوق العمل والعبور في أمواجه المتلاطمة والقاسية,ونظراً لهذا الفشل المركب في أداء الجهات الحكومية فقد جاء قرار صرف إعانة للعاطلين عن العمل ليكون تعويضاً لهم وعوناً يستقوون به حتى يتمكن سوق العمل من استيعابهم,وقد كانت الفرحة عظيمة بهذا القرار حين صدوره, ثم حدث مالم يكن في الحسبان حيث جاءت الشروط بشكلٍ عجيبٍ ومثيرٍ للسخرية والغضب من قبل وزارة العمل.
وحين النظر في هذه الشروط من الناحية الكمية وبغض النظر عن الكيف فإنّه يُخيل للقارئ أنّ هذه الشروط- لكثرتها وطولها- قد أعدت لقبول الترشح في جائزة نوبل للعلوم وليس لصرف مبلغ مقطوع مقدارة ألفا ريال لمدة سنة واحدةٍ فقط للعاطلين عن العمل, ولا يمكن أن تخطئ العين اللغة المتشككة والمتوجسة والمهددة التي صيغت بها هذه الشروط وكأنها تتعامل مع مجرمين في فترة إطلاق سراحٍ مشروط, وليس مع مواطن ينال حقاً بنص أمرٍ ملكي كريم.وإذا ما رغبنا في الحديث عن مضمون هذه الشروط فستقفز إلى أذهاننا عشرات الأسئلة الحائرة والمنطقية,فكيف نفهم أن تستثني هذه الشروط من تجاوز الخامسة والثلاثين من العمر وكأنه مواطنٌ لا حق له ولا حاجة,وكيف تصر هذه الشروط على خصم أي دخلٍ ثابت ولو كان مائة ريالٍ من مبلغ الإعانة؟ وهل يوجد دخلٌ ثابت يبلغ مائة ريال,والحقيقة أنّ محاولة فهم هذه الشروط سيقودنا إلى نقاشٍ عبثي لا طائل من ورائه ولذلك يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق,فبعض الأمور لا تحتاج نقاشاً ولا تفصيلاً فمجرد ظهورها ووجودها هو الدليل على عبثيتها وسخافتها.
كلماتٌ عاتبةٌ ومتسائلةٌ في آخر المقال,من البديهي أننا لا نطالب أن يحصل على مبلغ الإعانة من لا يستحقه ومن حق وزارة العمل أن تتأكد من المستحقين,ولكن ماليس من حق وزارة العمل أن تخرج لنا بمفهومٍ جديدٍ للاستحقاق لا ينطبق على أحد, وكنّا سنقبل ذلك من وزارة العمل لو كانت تتعامل بهذه القسوة وبهذه اللغة القاسية والشروط التعجيزية مع أصحاب الملايين والمليارات من أصحاب الشركات,ولكن أن تتعامل مع أصحاب رأس المال بلغةٍ حريرية ناعمةٍ وبشروط ميسرة في جمع التأشيرات وبتغاضٍ واضح عن تلاعب هذه الشركات بتوطين الوظائف ومعاملتها للموظف السعودي وكأنّه لا يصلح إلاّ أن يكون حارس أمن ,فهذا مالا نفهمه ولا نقبله,فإما أن تعامل وزارة العمل أصحاب الشركات بنفس الحزم و القسوة التي أظهرتها مع طالبي إعانة البطالة وإمّا أن تشمل طالبي إعانة البطالة بلغة اللطف والرقة ومؤتمرات فنادق الخمسة نجوم التي تعامل بها أصحاب الشركات,هذا ليكون العدل وتتضح الأمور.بالنسبة لبعض الاقتراحات العجيبة والمضحكة والتي صدرت من بعض أعضاء مجلس الشورى الموقر والتي طالب أحدهم أن تسترجع الوزارة 50% من قيمة الإعانة بعد أن يحصل العاطل على وظيفته, فهذا مقترحٌ يمارس مزايدةً فجةً في الحرص على أموال الدولة,ويكفي أن أقول لصاحب هذا الاقتراح أين أنت من عقود المشاريع المليارية التي تتم ترسيتها بالتعميد المباشر أو عن طريق مقاولي الباطن؟ فيا عضو الشورى الموقر قم بجهدك وحرصك على أموال الدولة في هذه المشاريع المليارية أو قم بذلك في مراجعة ميزانيات الوزارات أو قم بذلك لفضح قضايا الفساد وسنصفق لك جميعاً,أمّا أن يكون حرصك على اللقمة في فم العاطل ولاترى البنك في محفظة التاجر فهذه مزايدةٌ لن يقبلها منك أحد.وقد تجنبت في هذا المقال ذكر كلمة «حافز» رغبةً مني في عدم كسوة عظام الكلمات ثوباً لا تستحقه.
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *